أنت هنا

قراءة كتاب كراهية الديموقراطية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كراهية الديموقراطية

كراهية الديموقراطية

كتاب " كراهية الديموقراطية " ، تأليف جاك رانسيير ، ترجمة أحمد حسان ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 2

مقـدمة

امرأةٌ شابّة تجعل فرنسا تحبس أنفاسَها بحكايةٍ عن اعتداءٍ خيالي؛ مراهقاتٌ ترفضن نزع حجابهن في المدرسة؛ عجزُ الضمان الاجتماعي؛ مونتسكيو، وﭬولتير، وبودلير يزيحون راسين وكورنيي عن العرش في النصوص المُقدَّمة في الثانوية العامّة؛ عاملون بالأجر يتظاهرون للحفاظ على أنظمة تقاعدهم؛ مدرسةٌ كبرى تقيم شبكةً موازية لإلحاق الطلبة؛ صعودُ تلفزيون ـ الواقع(أ)، زواج المثليين والإنجاب الصناعي. من العبثِ البحثُ عمّا يجمع بين أحداثٍ ذات طبيعةٍ بكلّ هذا التنافر. وبالفعل قدّم لنا الإجابة مائة فيلسوفٍ أو عالم اجتماع، عالمِ سياسة أو محلّلٍ نفسي، صحفيٍ أو كاتبٍ، كتابًا إثر كتاب، ومقالا تلو مقال، وبرنامجا بعد برنامج. كل تلك الأعراض، كما يقولون، تترجم نفسَ المرض كل تلك النتائج لها سببٌ وحيد. هذا السبب يُدعى الديموقراطية، أي سيطرة الرغبات اللامحدودة لأفراد المجتمع الجماهيريّ الحديث.

يجب أن نرى جيدًا ما يُشكِّل تفرُّد هذا الشجب. ليست كراهيةُ الديموقراطيّة جديدةً بالتأكيد. إنّها قديمةٌ قِدم الديموقراطيّة لسببِ بسيط: أنّ الكلمةَ ذاتها تعبيرٌ عن كراهية. فقد كانت، أوّلًا، شتيمةً اخترعها، في بلاد الإغريق القديمة، مَن رأوا في الحكم الشائن للدهماء خرابَ كل نظامٍ مشروع. وظلّت مرادفةً للبُغضِ بالنسبة لكلّ مَن يعتقدون أنّ السلطةَ من حقِّ مَن تكونُ مقدورةً لهم بحكم الميلاد أو تستدعيهم بحكم كفاءاتهم. وما زالت كذلك اليومَ بالنسبة لمن يجعلون من قانون الوحي الإلهيّ الأساسَ الشرعيّ الوحيد لتنظيم المجتمعات البشريّة. إن عنفَ هذه الكراهية راهنٌ بالتأكيد. لكنّه ليس، برغم ذلك، موضوع هذا الكتاب، لسببٍ بسيط: فما من شيءٍ مشترك بيني وبين مَن يقولون به، ومن ثَم، لا شيء لأناقشه معهم.

إلى جانب هذه الكراهية للديموقراطية، عرفَ التاريخُ أشكالَ نقدها. للنقد الحقُ في الوجود، لكن يجب تحديد حدوده. عرف نقدُ الديموقراطية شكلينِ تاريخيينِ كبيرينِ. فقد وُجِد فنُ المشرِّعين الأرستوقراطيّين والمتفقّهين الذين أرادوا التحالف مع الديموقراطية باعتبارها واقعًا لا يمكن الالتفاف عليه. وكتابة دستور الولايات المتحدة هو المثال الكلاسيكيّ لهذا الجهد لتوفيق القُوى وتوازُن الآليّات المؤسسيّة الذي يهدف إلى استخلاص أفضل ما يمكن استخلاصه من الواقع الديموقراطيّ، مع احتوائه بصرامةٍ من أجل الحفاظ على منفعتينِ تعتبرانِ مترادفتينِ: حُكم مَن هم الأفضل، والدفاعُ عن نظام المِلكية. وبالطبع غذّى نجاحُ هذا النقد على الفور نجاحَ نقيضه. فلم يجد ماركس الشاب أية صعوبةٍ في كشف النقاب عن سيطرة المِلكية في أساس الدستور الجمهوري. لم يُخفِ المشرِّعون الجمهوريّون أيّ سرٍّ. لكنّه استطاع تحديدَ معيارٍ للفكر لم يتم استنفاده حتّى الآن: أن قوانينَ ومؤسّسات الديموقراطيّة الشكليّة هي التبدّيّاتُ التي خلّفها، والأدواتُ التي بواسطتها، تتم ممارسةُ سلطةِ الطبقة البورجوازية. ومن ثَم، يصبح النضال ضدَّ تلك التبدّيات هو الطريق صوب ديموقراطية «حقيقية»، ديموقراطيةٍ لا تعود فيها الحرية والمساواة ممثّلتين في مؤسّسات القانون والدولة بل متجسّدتينِ في ذات أشكال الحياة الماديّة والخبرة المحسوسة.

الصفحات