كتاب " كراهية الديموقراطية " ، تأليف جاك رانسيير ، ترجمة أحمد حسان ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع
أنت هنا
قراءة كتاب كراهية الديموقراطية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من الديموقراطية المنتصرة إلى الديموقراطية المجرمة
«الديموقراطية تنبعث في الشرق الأوسط» تحت هذا العنوان، احتفلت صحيفةٌ ترفع مِشعل الليبراليّة الاقتصاديّة، منذ بضعة أشهر، بنجاح الانتخابات في العراق وبالمظاهرات المناهضة لسوريا في بيروت(1). ولم يصحب هذا الثناء على الديموقراطية المنتصرة سوى تعليقاتٍ تحدّد طبيعة وحدود هذه الديموقراطيّة. أوضحوا لنا أولًا أنّها انتصرت، برغم احتجاجات أولئك المثاليّين الذين تُعدّ الديموقراطية بالنسبة لهم حكمَ الشعب لنفسه ومن ثم، لا يمكن جلبها من الخارج بقوة السلاح. انتصرت الديموقراطية إذن لو عرفنا كيف ننظر لها من وجهة نظرٍ واقعيّة، تفصل بين منافعها العمليّة وبين يوتوبيا حكم الشعب لنفسه. لكنّ الدرس الذي تم تلقينه للمثاليّين التزم أيضًا بأن يكون واقعيًّا حتّى النهاية. انتصرت الديموقراطيّة، لكن كان يجب معرفة كلّ ما يعنيه انتصارها: أن منح الديموقراطيّة لشعب آخر لايعني فحسب منحه منافعَ الدولة الدستورية، والانتخابات الحرة، والصحافة الحرة. إذ يعني، أيضًا، منحه الفوضى.
نتذكّر تصريحَ وزير الدفاع الأمريكيّ بصدد عمليّات النهب التي أعقبت سقوط صدام حسين. قال ما جوهره إننا منحنا الحرية للعراقيّين. والحرية الآن هي، أيضًا، حرية فعل الشرّ. ليس هذا التصريح مجرد دعابة مصادفات. بل هو جزء من منطقٍ يمكن إعادة تركيبه انطلاقًا من أشلائه الممزّقة: فلأن الديموقراطية ليست الأنشودةَ الرعوية لحكم الشعب لنفسه، لأنها فوضى العواطف التوّاقة للإشباع، يمكن بل ويجب منحُها من الخارج بقوّة سلاح قوةٍ عظمى، مع فهم أنّ القوة العظمى ليست مجرد دولةٍ تملك قوةً عسكرية مفرطة بل تملك، بشكلٍ أعمَّ، قوة السيطرة على الفوضى الديموقراطيّة.
تُذكّرنا التصريحات المصاحبة للحملات التي تستهدف نشر الديموقراطيّة في العالم إذن بحججٍ أقدمَ كانت تستحضر بدورها التوسعَ الذي لا يُقهر للديموقراطيّة، لكن على نحوٍ أقلَّ حماسيّة بكثير. إنها تُعيد بالفعل صياغة التحليلات المقدَّمة قبل ثلاثين عامًا أمام مؤتمر اللجنة الثلاثيّة، لتوضيح ما كان يُطلق عليه عندئذٍ أزمة الديموقراطية(2).
الديموقراطية تنبعث في أعقاب الجيوش الأمريكية، برغم أولئك المثاليّين الذين يحتجّون باسم حقّ الشعوب في امتلاك ذاتها. منذ ثلاثين عامًا، اتهم التقرير نفس النوع من المثاليّين، أولئك «المثقفين الذين توجهّهم القيم» [Value-oriented intellectuals] الذين يقتاتون على ثقافة معارضةٍ ويُغذّون نشاطًا ديموقراطيًّا مفرطًا، مشئومًا بالنسبة لسلطة الشأن العامّ مثلما بالنسبة للعمل البراجماتي لـ«المثقفين الذين توجههم السياسة» [Policy-oriented intellectuals]. تنبعث الديموقراطيّة، لكن الفوضي تنبعث معها: يتذكر ناهبو بغداد، الذين ينتهزون الحرية الديموقراطية الجديدة لزيادة ممتلكاتهم على حساب الملكيّة العامّة، بطريقتهم البدائيّة بعض الشيء، إحدى الحجج الكبرى التي كانت تشكّل، قبل ثلاثين عامًا، «أزمة» الديموقراطية: فالديموقراطية، فيما يقول كاتبو التقرير، تعني الزيادة التي لا تُقهر للمطالب التي تضغط على الحكومات، وتتسبّب في تدهور السلطة وتجعل الأفراد والجماعات عصيّةً على الانضباط وعلى التضحيّات التي يتطلّبها الصالح العامّ.