مسرحية " هنا في الحديقة " ، تأليف لواء يازجي ، والتي صدرت عن دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع .
أنت هنا
قراءة كتاب هنا في الحديقة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أ : (يتابع وحده) اقتربَتْ من الأرض بهدوء وبدأت تتغوط أوراقاً صغيرة ملونة. أصابني القرف وحاولت التملص من هذه الأوراق... لكني ــ وكما رأيتَ ــ لي مشية خاصة لا تسمح لي مع ضيق الوقت أن أهرب من خراء الطائرة. على كل حال عندما تخرى علينا الطائرات فلا مجال للهرب، لقد حاولت ذلك مرات عدة ولم أفلح. لذلك جلست، أخرجت سندويشتي وبدأت تجاهل ما يدور حولي، وكأن قرفي دفعني للطعام بشكل ما. لم يطل الأمر حتى وصلت الأوراق الملونة إلي. عندها كان القرف لا يحتمل... فتوقفت عن الطعام. صار الناس كأشجار عيد الميلاد القديمة. لقد كانت الألوان باهتة جداً.
ب : فلنترك هذا الجزء جانباً وأعدك بأن أجلس لأستمع إلى كل هذا لاحقاً. لكن الآن لنحاول أن نتذكر الجلبة ــ
أ : نتذكر؟ تقول نتذكر؟ هل تتذكر؟ هل يمكنك أن تتذكر شيئاً لم تشهده؟
( ب يهز رأسه بهدوء نافياً ومحاصراً ).
أ : لا تخف! أنا فعلاً أسألك بدافع الفضول... فالبعض يفعل هذا. لقد قابلت الكثير منهم يتذكرون مالم يشهدوا. على كل حال إن كانت لديك الموهبة يمكنك أن تتدرب على ذلك. لا تخجل.
ب : شكراً لأنك لم تسخر مني.
أ : بالعكس. (وقفة يتابع بعدها الحكاية) لقد كنت متفاجئاً، كان الغثيان باهراً... بدأت بأكل الأوراق حتى أنني مضغت عدة أوراق سوية. أذكر واحدة زرقاء باهتة والثانية خضراء... والأخضر باهت بالتعريف.
ب : (بعفوية) بالعكس. أكمل! آسف.
أ : بكى بعض الأطفال. وفرح البالغون. وفرح بعض الأطفال البالغين أيضاً. ثم أمسكتُ بإحدى الأوراق بقرف وقرأت.
ب : أيمكنك الاستغناء عن هذا الجزء؟
أ : يمكنني الاستغناء عن كل شيء إن أردت.
(أ يصمت ويغمض عينيه وكأنه يسمع موسيقى في البعيد).
ب : أكمل!
أ : (يفتح عينيه رويداً رويداً) عيد شجرة مبارك 2000. عيد شجرة مبارك 1995. هنيئاً لكم بعيد الشجرة 1982. احتفالات شعبنا بعيد الشجرة 1986. العيد السادس عشر للشجرة 1991. عيد الشجرة الثاني والعشرون والأخير.
ب : كيف هذا؟
أ : يقصدون الأخير في ذلك القرن.
ب : يا لخفة دمهم... لكن لا، ليس هذا ما قصدته. ثم ألم تجد ولا ورقة بتاريخ هذا العام؟! على كل حال، قمتَ بثنيها ورميها في سلة القمامة. فلنكمل!
أ : لا..لا، لقد كانت كذلك؛ مثناة وحدها. لقد اعتدت خلال أيام دراستي أن أجمعها مع زملائي كجزء من درس العلوم... أو القراءة... أو أي درس يصادف ــ
ب : (مقاطعاً) آسف. لكن ها أنت تعرف ما هو مكتوب عليها، لماذا كنت متفاجئاً إذاً؟
أ : (يبتسم) الأمر معقد. الجهل. لا يمكنك أن تفهم... أيضاً وأيضاً، بدائية وسذاجة فكرتهم عني وما يطلبونه مني. لازال بإمكانهم أن يفاجئوني.
(وقفة).
أ : أمّا هذه المرة فقد بلعتها كلها.
ب : كل ماذا؟
أ : كل ورقة كانت قريبة مني.
(تتغير ملامح وجه ب فهو قد بدأ يشك بصحة أ العقلية).
أ : كل ورقة مهما كان لونها أو تاريخها. لا أحد يفكر بالتلاميذ حين يتوجب عليهم جمعها مرة تلو الأخرى.
ب : (على وشك الضحك) تخفف عن تلاميذ المستقبل مهمة جمعها؟
أ (بجدية) لا. كنت آمل أنهم لن يصنعوا غيرها. يمكنك أن تقول إنني كنت أحاول قطع الدائرة: تلاميذ ــ أوراق ــ تلاميذ... كنت أريد أن أنتهي منها كلها... وإلى الأبد.
ب : يمكنني وصف هذا بالبطولي، أو الانتحاري.
أ : لا.. الآن اكتشفت أنني كنت أسرقهم واقع الأمر. أنني كنت أسرق منهم ذكريات كان لابد أن يحتفظوا بها ليكتمل حقدهم الواعي. لكن أكل الأوراق أفقدني شهيتي، فلم أستطع إكمال طعامي.
(لازال ب ينظر إليه بريبة).
أ : لكنك أنت استطعت وببساطة، وأنا لا أستغرب.
ب : لكن لنعد للجلبة والجمهرة و الـ ــ