عادت الريح لكنها هبت من الجهة الأمامية للسفينة فمحت بوقت قصير تقدمهم الحثيث خلال خمسة أيام مضت, أسبل البحر الدافئ والهواء الساخن على متن الباخرة رطوبة لا تطاق ، جثم الجريح والمرضى يتأوهون أسفل الصارية فشحب وجه الربان وهو يكرر بصوت خافت رحلاته الميمونة السابقة إلى الصين , منفردا في الطرف الأمامي يفتقد لغناء الرجال المسائي.

 

انتشل الموت البحار ذا الخمسة عشر عاما فخيم الحزن على طاقم السفينة الذين شهدوا احتضارا شاقا لصبي طيب ساذج من منطقة كيمبر "غربي فرنسا" . هناك في الأفق حبيبات مطر تخط السماء لكن يبدو أنها لا تريد أن تروي سفينتهم العطشى, ثم سقط بحار من مدينة "سيت" جنوبي فرنسا بالمرض هو الآخر مما زاد اضطراب الربان إذ سُمع صراخه مع المعاون.

 

أخيراً، هبت نسمة طيبة جنوبية غربية مبددة عناء أسبوعين يصارعون فيه مع ريح معدومة أو معاكسة وها قد أصبح الهواء قابلا للاستنشاق ولكن دون أن يفهم أحد السبب وقع بحارين آخرين بالمرض أيضا. ميتان وجريح وثلاثة مرضى لم تعد الأيادي تكفي لبسط الأشرعة رغم أن الريح سارت كما تشتهي السفن بيد أن الربان لم يتوصل إلى بسط سوى شراع صغير واحد، حصص الماء تضاء لت أكثر فأكثر.

 

مخروا عباب البحر من الجانب الغربي لاستراليا ومن الرأس الشمالي الغربي إلى أن دخلوا في خليج" كاربنتاري" وحاذوا اليابسة لم يميزوا على مد النظر سوى أشجار المانغروف الاستوائية الفظّة , فلم يجرؤ الربان أن يعطي إيعازاً بالاقتراب أكثر لتفحص المكان فابتعدوا مساءً عن الشاطئ ليعودوا إليه في الصباح . يبدو أن بحر أرافورا لا يريد أن ينتهِ .

 

تكاد جزر مضيق " توريس" تصبح على مرمى النظر وذلك عند نهاية أسبوع من هذا الإبحار الحذر غير أن الربان لا يعتزم الرسو في تلك الجزر خوفاً من هجمات الوحوش . عادت الحرارة ترهق كاهل الطاقم والمرضى لا يشهدون تحسناً في أوضاعهم .

 

اتجهت السفينة جنوباً محاولةً العثور على معبرٍ يخلصها من ورطتها ما بين جزرٍ رملية وأحواض ٍ مرجانية بارزة تهدد ببقر الهيكل. في اليوم الثالث وبعد أن نجحوا بالاقتراب كفايةً من اليابسة عثروا على خليجٍ لطيفٍ محاط بحزامٍ من الأشجار خلف شبه جزيرةٍ صخريةٍ . قرر الربان استكشافها معلناً أمام الجميع أنه سيعدل عن الإبحار نحو استراليا إذا ما تبين أن هذه أرضٌ قاحلةٌ كغيرها وسيتجه حينها نحو جاوا. أُنزلت قوارب الإنقاذ ونودي البحارة على يسار السفينة شدَّوا بحزم حتى رسوا على الشاطئ مع أربع براميل لملأها بماءٍ ندي .

 

حقاً لقد سارت الأمور بشكلٍ سيء بعد " الكاب " وهاهو مستلقٍ على فراشه السرخسي بعد أن ضحى من أجل كوب ماءٍ .