أنت هنا

قراءة كتاب ماذا جرى للوحش الأبيض؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ماذا جرى للوحش الأبيض؟

ماذا جرى للوحش الأبيض؟

الرواية مستوحاة من قصة حقيقية تتحدث عن بحار فرنسي شاب فقد على أحد شواطئ استراليا في منتصف القرن التاسع عشر، وتبنته قبيلة محلية قبل أن تجده سفينة إنجليزية بعد 17 عاما، وخلال هذه الفترة كان قد فقد لغته الفرنسية ولم يعد يتذكر اسمه الحقيقي.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 8
خطر له صنع فخٍ للسمك عندما رأى انخفاض مستوى المد والجزر, تناهى مرةً إلى سمعه الحديث عن ذلك كما أنه لن يخسر شيئاً بالمحاولة. حرّك خلال ساعةٍ تقريباً قوالب وحجارة مشيداً جداراً صغيراً على شكل قوسٍ دائري ينحني نحو الشاطئ , هنا قد تلجأ الأسماك الخرقاء هرباً من المد العالي وسيكون لطفاً منها أن تقفز بين يديه العاريتين في الجزر القادم .
 
سيطر عليه هوس الجوع وعلى وجه الخصوص العطش ما إن انتهى من عمله, لقد كان الماء مقنناً منذ أسبوعين وهو لم يبول منذ أكثر من يوم وهذا مؤشرٌ مقلقٌ إنه يعلم ذلك. لم يعثر على ما يسد الرمق فالأشجار غير مثمرة والسويقات الليفية لا تخبأ في جوفها أي احتياطي يؤكل فعاد ليجلس في نقطة المراقبة في الظل أعلى الجرف الصغير .
 
لاح الغسق ووجه البحر يتسطح رويداً رويداً تهدد سكونه موجةٌ صاخبةٌ رمتها العاصفة . إنه وقت حساء المساء على متن سفينة سان بول لتجمعهم بعد العمل قصصٌ يرونها وأغانٍ ينشدونها قبل هبوط الليل . هل عساهم يتكلمون عنه ؟ هل افتقدوا إليه ؟ على متن السفينة , ينقص الماء ويتأوه الجريح ويأنُّ المرضى .
 
لا بدَّ أن الربَّان يتحرق شوقاً لاستعادته ثم يكمل من جديد طريقه إلى جاوا والصين , سيقدر حتماً أنه نال عقاباً مناسباً على فكرته الغبية بالتجول وحيداً مخالفاً الأوامر فقط ليرى ماذا يوجد في الطرف الآخر من الجرف الصخري , يومين قضاهما وحيداً على اليابسة دون ماء ولا طعام ولا أخبار يلقنوه درساً لن ينساه . لعل الباخرة ستجوب البحر على مقربة من الخليج فالمد مرتفعٌ عند الفجر وستراقب زورق الإنقاذ القادم لاستعادته وسيرهقه المجذفين الذين أخذهم القلق عليه بالسخرية ما إن يجدونه لكنهم سيمدون له مطرة ماء وبسكويت .
 
كلا إنه يخدع نفسه . فالماء مقننٌ على متن السفينة الشراعية وهناك جريحٌ وثلاثةُ مرضى؟ لا بد أن الربَّان سيختار إنقاذ الأربعة دون أن يهدر وقتاً ثميناً بالبحث عن متهورٍ. الانتظار في عرض البحر لسحب السفينة إلى اليابسة بعد أن هدأت العاصفة لما لا جدوى له: من أجل بحارٍ ضائعٍ قد افترسته الحيوانات أو التهمته الضواري ؟ من سيجازف بحياة أربعةٍ من رجاله لاحتمال إنقاذ رجلٍ واحدٍ لعله مات مسبقاً ؟ يحتم المنطق عليهم الإبحار بالسرعة القصوى إلى جاوا ما إن يعود زورق الإنقاذ الفار تحت العاصفة .
 
مرَّ يومان حتى الآن وسان بول تمخر العباب نحو الشمال وهو يراقب من أعلى مجثمه ولم يأت ِ أحدًٌ لنجدته .
 
ولكن لا . إذا ما اتخذ الربان مثل هذا القرار اللا إنساني فإن الطاقم بكامله سيتمرد ليرغمه على إنقاذه ! الطاقم بكامله ؟ من الذي سيرفع صوته من أجله ؟ بيير ؟ جوزيف ؟ إيفون ؟ إن حلفاءه المحتملون يحصون على أصابع اليد الواحدة. تردد ؟ وعاد يقول من جديد : لقد تركوه .
 
باتت هذه التأملات من غير فائدة مرجوَّة كما أنها غير سليمة , عليه أن يهتم فقط ببقائه على قيد الحياة أولاً ينبغي أن يشرب هذا هو الأمر الوحيد الذي لا هوادة فيه .

الصفحات