أنت هنا

قراءة كتاب ماذا جرى للوحش الأبيض؟

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ماذا جرى للوحش الأبيض؟

ماذا جرى للوحش الأبيض؟

الرواية مستوحاة من قصة حقيقية تتحدث عن بحار فرنسي شاب فقد على أحد شواطئ استراليا في منتصف القرن التاسع عشر، وتبنته قبيلة محلية قبل أن تجده سفينة إنجليزية بعد 17 عاما، وخلال هذه الفترة كان قد فقد لغته الفرنسية ولم يعد يتذكر اسمه الحقيقي.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7
خطفه النوم ناسياً جوعه , قفز لعدة مرات في ليلته الأولى متهيئ أنه قد يقع فريسة خديعة من طاقم السفينة متلذذاً بالطمأنينة الصادرة عن قرقعة الأقدام الحافية على الألواح الخشبية وعن شخير أصدقائه , لا ..... إن الهدوء يهيمن على هذه الأرض المجهولة حيث احتل فراشه الورقي مكان سريره الهزاز, يغمض جفنيه مستغرباً أنه ما زال على قيد الحياة.
 
استعاد عند حلول الصباح أحداث المساء المنصرم فنهض قافزاً متسبباً بانهيار الكوخ البدائي. شارفت الشمس على البزوغ وما من تغريدة عصفور ترافقها . صعد الوادي الممتد إلى عالية النهر ونقطة المراقبة , أيقن بلمح البصر أن اليوم لن يتم إنقاذه فالغيوم المثقلة تتراكض في سماء رمادية منخفضة والبحر يزبد في عرضه وتتحطم نصولٌ فضية مرتفعة على الصخرة الشاطئية الكبيرة التي تغلق الخليج وتجاوزت الأمواج المتصالبة مستوى المياه فلن يخاطر أي بحارٍ بسفينته .
 
انزلق على الأرض مثقلاً بشعورٍ خانقٍ بالوحدة وأرخى رأسه على ركبتيه يتصارع مع دموعِ غيظٍ تجتاحه, وقد التصق لسانه بحنكه عطشاً, هناك عند المرتفعات البحرية تغرق نسمات الهواء الرمل لتحوله لإعصارٍ سريع الزوال.
 
نزل إلى الشاطئ واجتاز الخليج نحو الجنوب حيث علم بأن الأشجار الغامضة التي اكتشفها ليلة أمس غابةٌ من شجر المانغروف الاستوائي تسبح جذوعها في مياهٍ موحلة أجاج تحمي تحتها مخلوقات لا يعلم بها إلا الله , حاذى القناة معطياً ظهره للبحر حيث انخفض النجد ليصبح سهلاً لا متناهٍ وامتد المستنقع على مرمى النظر نحو الداخل , عاد على عقبيه بائساً فماذا عساه يفعل إذا ما عثر على ممر ؟ سيجتاز الغابة ليصل إلى الشاطئ التالي ؟ لماذا ؟ ماذا سيفعل هناك ؟
 
إن المكان الأوروبي المأهول الذي كان يعرفه هو سيدني ويقع على بعد مئات الأميال ولا ماء لديه ولا طعام ولا خريطة, لن يحالفه الحظ بالوصول إليها ثم إن النجدة لن تبحث عنه إلا حيث فقدته .
 
ازدادت قوة الريح جاعلةً الأغصان تطقطق والغيوم السوداء تتراكض ولا تمطر إلا بعيداً في الأفق , البحر يغلي رامياً بالطحالب الطويلة على الشاطئ , جَزَرَ البحرُ ليكشف عن صخور . دخل إلى الماء ليستكشف كومة المرجان فجمع خمس صدفاتٍ شبيهةٍ ببلح البحر , هل هي قابلة للأكل ؟ لم يتردد بيد أن هذه الغرامات القليلة من النسيج الرخو أيقظت عطشه وجوعه .
 
لاذ بفيء شجرة أوكاليبتوس بعد أن أصابه الدوار ونام رامياً مصائبه جانباً غير آبهٍ بأمانه فهنا لا يعيش لا حيوان متوحش ولا إنسان .
 
عندما استيقظ كان الطقس شديد السوء قد مضى مخلّفاً وراءه سماءً رصاصية اللون وحرارة ثقيلة. سار نحو الرأس الصخري الذي يغلق الخليج من جهة الشمال لا أمل له ولا خطةً إنما أراد أن يشغل نفسه . لن يثمر هذا التكديس العشوائي لأكوامٍ من المرجان العاقر عن نبعٍ يسقيه . تسلّق إلى القمة فعثر على شاطئٍ جداري يترك خلفه صخوراً صغيرة تقطعها خلجانٌ صغيرة لا يمكن الولوج إليها من البحر, ينبسط النجد من هناك مسبلاً لوناً أخضراً مغبراً على نباتاته الرتيبة.

الصفحات