كتاب " فلسفات الحياة الثلاث " ، تأليف بيتر كريفت ، والذي صدر عن دار اوفير للطباعة والنشر والتوزيع ، نقرأ نب
أنت هنا
قراءة كتاب فلسفات الحياة الثلاث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عَظَمةُ الجامِعة
الكتابُ المُقدَّس هو أعظَمُ الكُتُب جميعًا، وسِفرُ الجامعة هو وحدَه كِتابُ الفلسفة، الفلسفةِ الخالصة، الفلسفة المُجرَّدة، في الكتاب المُقدَّس. فليس مُفاجئًا إذًا أن يكونَ الجامعةُ هو الأعظمَ بين كُتُب الفلسفة كُلِّها.
ماذا؟ الجامعة أعظم كُتُب الفلسفة كلِّها؟ ولكنَّ الكاتب لا يَعرِف حتَّى مُحاوَراتِ أفلاطون، أو مَنطِقَ أرِسطو، أو حتَّى أُصولَ الاختصار الجيِّد! فهو يَخبطُ عشوائيًّا، ويُغيِّر رأيَه كثيرًا، ويَدَع أمزِجتَه تجرفُه بقَدر أدلَّته تقريبًا. كيف يُعقَل أن يكونَ هذا المركبُ الصغيرُ القديمُ الخَشِن هو فُلكَ نُوحِ كُتُبِ الفلسفة؟ ثُمَّ إنَّ بيتَ القصيد في هذا السِّفر هو ‘‘باطل الأباطيل’’، لامعنى الحياةِ البشريَّة. فكيف يُعقَل أن يكون كِتابٌ عن اللَّامعنى مُفعَمًا بالمعنى؟
يمكن ردُّ الاعتراض الأوَّل بإدراكِ كَون العَظَمة لا تأتي من الشَّكل بل من المضمون. فشَكلُ الجامعة بسيط، مُباشَر، ساذَج. ولكنَّ المضمون، كما سنرى، هو أعظمُ ما يمكنُ أن تقولَه الفلسفةُ على الإطلاق.
ولكنْ ماذا عن الاعتراض الثاني؟ كيف يُعقَلُ أن يكونَ كتابٌ عن اللَّامعنى مُفعمًا بالمعنى؟ إنَّ الكتابَ العظيمَ يجب أن يكونَ صادِقًا مُخلِصًا، يجب أن يُمارِسَ ما يَعِظُ به. مثلًا، تاو تي تشِنغ (Tao Te Ching)، وهو العملُ الكلاسيكيُّ الصينيُّ (تشِنغ) العظيمُ عن القوَّة الروحيَّة (تي) التي تخصُّ الطريقَ (تاو)، يَستخدِم بذاته قوَّةً روحيَّةً (تي) غامضةً تُهَيمِن على القارئ، قوَّةً لها طبيعةُ التَّاو نفسُها، تلك الطبيعةُ الخفيَّة التي تُشبهُ الماءَ المُتدفِّق والتي لا تُقاوَم. أو كِتابًا عظيمًا عنِ العُنف والشَّغف، كروايةٍ لِدوستويڤسكي (Dostoeyvski)، يجب أن يتَّسمَ هو نفسُه بالعُنف والشَّغف. كما أنَّ كتابًا عن التَّقوى أو الوَرَع يجب أن يكونَ وَرِعًا. وهكذا، فإنَّ كتابًا عن البُطلان يجب أن يكون باطلًا أو عابثًا، أمَا يجب أن يكون كذلك؟
كلَّا! إنَّ الفيلسوف الذي كتب الجامعة هو الأقلُّ بُطلًا بين الفلاسفة. فالباطِلُ لا يمكنُ أن يكتشفَ نفسَه، تمامًا كما أنَّ الحماقةَ لا يمكنُ أن تكتشفَ نفسَها. إنَّما الحكيمُ وحدَه يعرفُ الحماقة. أمَّا الحَمْقى فلا يعرفون الحِكمةَ ولا الحماقة. فكما نحتاج إلى حكمةٍ لنَعرفَ الحماقة، وإلى نورٍ لنعرفَ الظُّلمة، كذلك نحتاج إلى عمقٍ كي نعرفَ الباطِل، إلى معنًى كي نعرف اللَّامعنى. ويقول پاسكال: ‘‘أيُّ شخص لا يرى بُطلان الحياة لا بُدَّ أن يكونَ بالحقيقة باطلًا جدًّا’’.