كتاب " فلسفات الحياة الثلاث " ، تأليف بيتر كريفت ، والذي صدر عن دار اوفير للطباعة والنشر والتوزيع ، نقرأ نب
أنت هنا
قراءة كتاب فلسفات الحياة الثلاث
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الجامعةُ باعتِباره عِلمَ أخلاق
من شأن الفلاسفة السابقين للعَصر الحديث أن يُصنِّفوا الجامعة بوَصفه كِتابًا في الأخلاقيَّات؛ لأنَّه يطرحُ أهمَّ الأسئلة الأخلاقيَّة كلِّها، السؤالَ الذي تدور حوله جميعُ الأعمال الكلاسيكيَّة جَوهريًّا إلى أبعد حدّ: جمهوريَّةُ أفلاطون (Plato’s Republic)، الأخلاقيَّات النِّيقوماخيَّة (Nicomachean Ethics) لأرسطو، اعترافاتُ أُوغسطينوس (Augustine’s Confessions)، ‘‘بحثٌ في السَّعادة’’ (Treaties on Happiness) ضمنَ الخُلاصة اللَّاهوتيَّة (Summa) لتوما الأكوينيّ، خواطِرُ پاسكال (Pascal’s Pensees)، النِّظامُ الأخلاقيُّ (Ethics) لاسپينوزا (Spinoza)، ‘‘إمَّا/وإمَّا’’ لكيركغارد (Kierkegaard). إنَّه السؤالُ عن الخير الأسمى (summom bonum)، أو القيمة العُليا، أو الغاية القُصوى، أو معنى الحياة.
تناولَ عِلمُ الأخلاق القديمُ دائمًا ثلاثةَ أسئلة. أمَّا عِلمُ الأخلاق الحديثُ فلا يتناوَلُ عادةً إلَّا سؤالًا واحدًا فقط، أو على الأكثر سؤالَين. والأسئلة الثلاثة تُشبِه الأُمور الثلاثة التي يتبلَّغُها أسطولٌ من السُّفن في أوامر إبحاره (الصُّورةُ المجازيَّة مأخوذةٌ من سي. أس. لِويس). فأوَّلًا، يجب أن تعرفَ السُّفُنُ كيف تتجنَّبُ اصطدامَ بعضها ببعض. هذه هي الأخلاقيَّات الاجتماعيَّة، وعلماءُ الأخلاق القُدَماء والمُحدَثون على السَّواء يتَناوَلونَها. وثانيًا، يجبُ على السُّفن أن تعرفَ كيف تبقى مُنظَّمة وتتجنَّب الغَرَق. هذه هي الأخلاقيَّات الفرديَّة، الفضائل والرَّذائل، بناءُ الخُلُق، ونحن نسمع القليل القليل عن هذه من فلاسفة الأخلاق المُحدَثين عندَنا. وثالثًا، وأهمَّ الكُلِّ، يجب أن تعرفَ السُّفنُ لماذا الأُسطولُ مُبحِرٌ بالدَّرجة الأُولى. ما مَهمَّتُه؟ وما مَقصِده؟ هذا هو سؤال الخير الأسمى، وما مِن فلاسفةٍ مُحدَثين، عدا الوجوديِّين، يَبدون مُهتمِّين مُجرَّدَ اهتِمام بهذا السؤال، أعظمِ الأسئلة كلِّها. وربَّما لذلك السبب تبدو الفلسفة الحديثة في مُعظَمِها كثيرةَ الضَّعف والشَّكوى، وبالغةَ التخصُّصِ والنُّخبويَّة، وقبلَ كلِّ شيءٍ مُضجِرةً جدًّا، في نظر الناس العاديِّين.
أعتقدُ أنِّي أعرفُ لماذا لا يجرؤُ الفلاسفةُ المُحدَثون على إثارة أعظم الأسئلة، والسببُ هو هذا: لأنْ لا جوابَ لَدَيهم عنه. إنَّها فَجوةٌ كبيرةٌ جدًّا بحيثُ لا يمكنُ أن يسدَّها إلَّا شجاعةُ وُجوديٍّ أو إيمانُ مؤمنٍ بالله.