أنت هنا

قراءة كتاب المحبات الأربع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحبات الأربع

المحبات الأربع

كتاب " المحبات الأربع " تأليف سي . أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

أمَّا ثالثًا، فنأتي إلى شيءٍ أهمَّ بكثير جدًّا. ذلك أنَّ كلَّ مؤمنٍ بالسيِّد المسيح لا بدَّ أن يُقِرَّ بأنَّ صحَّةَ المرء الروحيَّة تتناسَب تمامًا مع محبَّته لله. ولكنَّ محبَّة الإنسان لله، حسب طبيعة الموضوع، يجب دائمًا أن تكون إلى مدًى بعيد- كما يجب أغلبَ الأحيان أن تكون بكُلِّيَّتها- محبَّةَ احتياج. وهذا بديهيٌّ حين نلتمسُ مغفرةً لخطايانا أو معونةً في بلايانا. ولكنَّه في النِّهاية رُبَّما كان أكثر بَدَهيَّةً بَعدُ في إدراكنا المُتنامي- إذ ينبغي أن يكون مُتنامِيًا- أنَّ كِيانَنا بجُملته من حيثُ طبيعتُه بالذَّات هو حاجةٌ واسعةٌ واحدة: صرخةٌ ناقصة، إعداديَّة، خاوية لكنْ ضاجَّة، إلى ذاك الذي يستطيع أن يحلَّ الأُمورَ المُتشابِكة ويربطَ الأمورَ التي ما تزال سائبة. لستُ أقولُ إنَّ الإنسانَ لا يستطيعُ أبدًا أن يُقدِّم إلى الله أيَّ شيءٍ على الإطلاق ما عدا محبَّةَ الاحتياج الخالصة. فالنُّفوس المُرفَّعة قد تُحدِّثنا بشأن بلوغِ ما يتخطَّى تلك المحبَّة. ولكنِّي أعتقدُ أنَّ أصحابَ هذه النُّفوس سيَكونون أيضًا أوَّلَ مَن يُحدِّثُنا بأنَّ تلك الأعالي ستنقطعُ عن أن تكون نِعَمًا محضة، وتصيرُ أوهامًا أفلاطونيَّة مُحدَثة (Neo-Platonic)، أو شيطانيَّة أخيرًا، لحظةَ يستجرئ الإنسان أن يُفكِّر أنَّه يستطيع أن يعيشَ عليها ويُسقِطَ من ثَمَّ عُنصرَ الاحتياج. إنَّ مبدأ المُحاكاة يقول: ‘‘لا يقوم الأعلى من دون الأدنى’’. فإنَّه يكون مخلوقًا وقحًا وقبيحًا ذاكَ الذي يمثُل أمامَ خالقه مُتباهِيًا: ‘‘لستُ مُستعطِيًا. أنا أُحبُّك دون مصلحة ذاتيَّة’’. وأولئك الذين يبلغون أقرب نُقطة إلى محبَّة المَنح تُجاه الله سوف يَعمِدون في اللحظة التالية، بل في اللحظة ذاتها أيضًا، إلى قَرع صُدورهم مع العشَّار التائب، باسِطِين فقرَهُم وعوزَهم أمام المانح الحقيقيِّ الوحيد. ثُمَّ إنَّ الله يريدُ أن تكونَ الحالُ على هذا المِنوال. فهو يستهدفُ محبَّةَ الاحتياج لَدَينا إذ يُخاطِبُنا بالقَول: ‘‘تعالَوا إليَّ يا جميع المُتعَبين والثقيلي الأحمال، وأنا أُريحكم!’’ (متَّى 11: 28) أو بكلمات المزامير: ‘‘أَفغِرْ فاَك، فأملأَه!’’ (مزمور 81: 10).

وهكذا فإنَّ محبَّةَ احتياجٍ واحدةً، وهي العُظمى، إمَّا تُوافِقُ حالَة الإنسان الروحيَّة العليا والأكثر صحَّةً وواقعيَّة، وإمَّا تُكوِّن على الأقلِّ مُقوِّمًا رئيسيًّا من مُقوِّمات تلك الحالة. وتترتَّب على هذا نتيجةٌ طبيعيَّة غريبة جدًّا: أنَّ الإنسانَ يقترب الى الله أقربَ قُربٍ حين يكون، بمعنًى ما، أقلَّ شَبَهًا بالله. فماذا يمكن أن يكون أكثر تبايُنًا من الامتلاء والاحتياج، والهيمنة والاتِّضاع، والبرِّ والتَّوبة، والقوَّة اللَّامحدودة والاستغاثة؟ إنَّ هذه المُفارَقة أذهلتني لمَّا بلغتُها أوَّل مرَّة؛ وأحبطَت أيضًا جميعَ محاولاتي السابقة في الكتابة عن المحبَّة. وعندما نواجِهُها، فلا بُدَّ أن يَنتجَ شيءٌ من هذا القبيل على ما يبدو.

الصفحات