كتاب " المحبات الأربع " تأليف سي . أس .
أنت هنا
قراءة كتاب المحبات الأربع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لا بُدَّ أن يخطر في بال أيِّ قارىءٍ التَّماثُلُ بين مسرَّات الاحتياج و‘‘محبَّات الاحتياج’’ التي ذكرتُها في المقدِّمة. ولكنَّك تذكُر أنِّي هناك اعترفتُ بأنَّه كان عليَّ أن أقاوِمَ مَيلًا إلى الاستخفاف بمحبَّات الاحتياج واستصغارها، بل أيضًا إلى القول إنَّها ليست محبَّاتٍ على الإطلاق. فهُنا، بالنِّسبة إلى مُعظَم الناس، قد يوجَدُ مَيلٌ مُعاكِس. إذ يسهل جدًّا أن نتمادَى في امتداح ‘‘مسرَّات الاحتياج’’ ونَتجهَّم حيال ‘‘مسرَّات التقدير’’: مُعتبرين الأولى طبيعيَّةً جدًّا (كلمة نُسحَر بها) وضروريَّة، يحميها من الإفراط كَونُها طبيعيَّة؛ والثانيةَ غيرَ ضروريَّةٍ ومُشرِّعةً البابَ لكلِّ صنوف الرَّفاهيَة والرذيلة. وإن أعوزَتنا مَوادُّ في هذا الموضوع ففي وُسعنا أن نفتح الحَنَفيَّة (الصُّنبور) بتَصفُّح آثار الرِّواقيِّين،[4] فتَتَدفق حتَّى تملأ حَوضًا. ولكنْ علينا أن نحرِصَ طَوالَ هذا المَبحَث على ألَّا نتبنَّى أبدًا قبلَ الأوان موقفًا خُلُقيًّا أو تقييميًّا. فإنَّ الذَّهن البشريَّ عمومًا توَّاقٌ لأنْ يَمدحَ ويَذُمَّ أكثر منه بكثيرٍ لأنْ يُوصِّف ويُعرِّف. إنَّه يودُّ أن يجعلَ كلَّ تمييزٍ تمييزَ قِيمة؛ ومن هُنا كان أولئك النُقَّاد المُهلِكون الذين لا يستطيعون البتَّة أن يُحدِّدوا النَّوعيَّة المختلفة لدى شاعِرَين بِغَير أن يضعوهما في تراتُبِ تفضيلٍ كما لو كانا مُرشَّحَين لجائزة. فيجب ألَّا نَعمِدَ إلى شيءٍ من هذا القبيل بالنِّسبة إلى المسرَّات. إذ إنَّ الحقيقة مُعقَّدةٌ فوقَ الحدّ. ويُحذِّرُنا من هذا أصلًا واقعُ كَون ‘‘مسرَّة الاحتياج’’ هي الحالة التي فيها تضمحلُّ المسرَّاتُ التَّقديريَّة عندما يسوءُ حالُها (بالإدمان).
ولكنَّ أهمِّيَّة نوعَيِ المسرَّات بالنَّسبة إلينا تكمن على كلِّ حال في المدى الذي إليه تؤذِنُ بخصائصَ تتميَّز بها ‘‘محبَّاتُنا’’ (المدعوَّة هكذا على نحوٍ صحيح).
إنَّ العطشانَ الذي شربَ توًّا كأسَ ماء قد يقول: ‘‘حقًّا، لقد أردتُ ذلك!’’ وقد يحذو حذوَهُ السِّكِّيرُ الذي شرب توًّا ‘‘رَشفتَه’’. أمَّا ذاك الذي يمرُّ بقرب شجرة الغاردينيا في نزهته الصَّباحيَّة، فهو أميَلُ إلى القول: ‘‘كم هي طيَّبة هذه الرائحة!’’ كذلك أيضًا قد يقول الخبيرُ بعد رَشفتِه الأُولى للنَّبيذ الفرنسيِّ الفاخر: ‘‘هذا نبيذٌ ممتاز!’’ فحين تكون مسرَّات الاحتياج مَعنيَّة، نميل إلى إصدار تصريحاتٍ عن أنفُسنا بصيغة الماضي. أمَّا حين تكون المسرَّات التقديريَّة مَعنِيَّة، فنميل إلى إصدار تصريحاتٍ عن الغَرَض بصيغة الحاضر. ومن السَّهل إدراكُ السَّبب.
لقد وصفَ شكسپير (Shakespeare) إشباعَ شهوةٍ طاغية باعتباره شيئًا
تجري مطاردتُه بطريقةٍ تتخطَّى المَنطِقَ أصلًا،
وما إن يُمسَكُ طَرَفُه
حتَّى يُبغَضَ بُغضًا يتخطَّى المَنطِقَ فِعلًا!