كتاب " المحبات الأربع " تأليف سي . أس .
أنت هنا
قراءة كتاب المحبات الأربع
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
المُيولُ والمَحبَّات لِما هو دونَ البشر
كان مُعظم أبناء جيلي يُوبَّخون في صِغَرِهم على قولهم إنَّهم ‘‘يحبُّون’’ الفراولة مثلًا. ويُفاخِر بعضٌ باحتواء اللُّغة الإنكليزيَّة على فِعلَين يدلَّان على الحُبِّ والإعجاب هما (Love) و(Like)، في حين أنَّ الفرنسيَّةَ مثلًا تُضطَرُّ إلى استعمال فعلٍ واحدٍ للتَّعبير عن الأمرَين (Aimer). ولكنَّ في جانب الفرنسيَّة عددًا لا بأس به من اللُّغات. وفي الواقع أنَّ الإنكليزيَّة المَحكيَّة كثيرًا جدًّا ما تُسايِرُ الفرنسيَّة. فجميع المُتكلِّمين، مهما كانوا مُتحَذلِقين أو أتْقياء، يتحدَّثون كُلَّ يوم بِكَونهم ‘‘يُحبُّون’’ أكلةً أو لُعبةً أو مهنة.[3] وبالحقيقة أنَّ هنالك استِمرارِيَّةً بين ميولنا الأوَّليَّة إلى الأشياء ومحبَّاتنا للأشخاص. ولمَّا كان ‘‘الأعلى لا يقوم من دون الأدنى’’، يُستحسَنُ أن نبدأ من الأسفل، بميولنا المُجرَّدة. ولمَّا كان ‘‘المَيل’’ إلى شيء ما يعني أن نجدَ فيه نوعًا من السُّرور، فعلَينا أن نبدأ بالمسرَّة.
والآن، هو اكتشافٌ قديمٌ جدًّا أنَّ المسرَّات يمكن أن تُقسَم إلى فئتَين: تلك التي لن تكون مَسرَّاتٍ البتَّة ما لم تسبقها رغبةٌ ما؛ وتلك التي هي مسرَّاتٌ بُحكم حقِّها الذاتيِّ ولا تحتاج إلى تمهيدٍ كهذا. ولنا في شُربةِ الماء مَثَلٌ على الفئة الأولى. فهذه مسرَّةٌ إذا كُنتَ عطشانًا، ومَسرَّةٌ عظيمةٌ إذا كنتَ عطشانًا جدًّا. ولكنْ ربَّما لم يكُن في العالَم شخصٌ واحد- إلَّا مُطاوَعةً للعطش أو امتثالًا لأوامر طبيب- سكب لنفسه كأس ماءٍ وشرِبَها لمُجرَّد الاستمتاع بها. كما أنَّ لنا مثلًا على الفئة الأخرى في مسرَّات الشَمِّ غير المنشودة وغير المتوقَّعة، كالعبير المُنبعِث من نبات الياسمين أو شجرة غاردينيا عطرة، تَلقاهُ في نُزهتِك الصبَّاحيَّة. فأنت لم تكُن في حاجةٍ إلى شيء، وكنتَ راضيًا تمامًا، قبلَ ذلك. وإذ ذاك، فإنَّ المسرَّة التي ربَّما كانت عظيمةً جدًّا هي هِبَةٌ مُضافة فائقة غيرُ مُستجداة. وأنا إنَّما أضربُ أمثلةً بسيطة جدًّا لأجل الوضوح، إلَّا أنَّ هنالك بالطَّبع مُضاعَفاتٍ كثيرة. فإذا قُدِّمتْ إليك قَهوةٌ أو شايٌ بالنعناع حيثُ كنتَ تتوقَّعُ الماء (وكان من شأن ذلك أن يكفيَك)، فعندئذٍ تحصلُ طبعًا على مسرَّةٍ من النَّوع الأوَّل (إرواء الغليل) ومسرَّةٍ من النَّوع الثاني (طَعم طيِّب) في الوقت نفسه. ثُمَّ إنَّ إدمانَ شيءٍ ما قد يُحوِّل ما كان من قَبلُ مَسرَّةً من النَّوع الثاني إلى مَسرَّةٍ من النَّوع الأوَّل. فبالنَّسبة إلى الإنسان المُعتدِل، تُشكِّل كأسٌ من النَّبيذ بين الحين والآخر متعةً فعليَّة، كالعبير المُنبعِث من نبات الياسمين. أمَّا بالنسبة إلى السِّكِّير الذي تعطَّلَتْ لديه حاسَّةُ الذوقِ كما تعطَّل الهَضمُ منذ زَمنٍ بعيد، فما من شرابٍ كُحوليٍّ يؤتيه أيَّة مسرَّة ما عدا مسرَّةَ الارتياح من رغبةٍ مُلِحَّةٍ لا تُطاق. فبمقدار ما يستطيعُ أن يُميِّزَ الطُّعومَ بَعد، هو يَمقتُ الشَّراب بالأحرى؛ ولكنَّه أفضلُ عندَهُ من بؤسِ بقائه صاحيًا. ومع ذلك، فعلى الرُّغم من كلِّ تَباديلِ مواضع هاتَين الفئتَين وتَشارُكهما، يبقى التمييز بينهما جليََّا على نحوٍ مقبول. ولنا أن ندعُوَ هاتَين الفئتَين المذكورتَين ‘‘مسرَّاتِ الاحتياج’’ (Need-Pleasures) و‘‘مسرَّات التقدير’’ (Pleasures of Appreciation).