أنت هنا

قراءة كتاب المحبات الأربع

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
المحبات الأربع

المحبات الأربع

كتاب " المحبات الأربع " تأليف سي . أس .

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

على قِمَّة الجُرف، نكونُ قريبين من القرية. ولكنَّنا مهما أطلنا المكُوثَ هناك لن نكونَ أقربَ البتَّة إلى حمَّامِنا وشايِنا. وهكذا الحالُ هُنا؛ فإنَّ ما أضفاه الله من مُشابَهة- ومن قرُبٍ بهذا المعنى- على بعض خلائقه وبعض حالات تلك الخلائق هو أمرٌ محسوم ومُرسَّخ. وما هو قريبٌ منه بالمُشابهة لن يكونَ، بمُقتضى تلك الحقيقة وحدَها، أقربَ بَعدُ بأيَّة حال. غير أنَّ قُربَ الاقتراب، تعريفًا، هو قُربٌ مُتزايد. وفي حين أنَّ المُشابَهةَ مُعطاةٌ لنا- ويمكن أن تُقبلَ بشُكرٍ أو بلا شُكر ويُحسَنَ استِعمالُها أو يُساء- فإنِّ الاقترابَ شيءٌ يجب أن نقومَ به، وإنْ كانتِ النِّعمةُ تُنشِئُه وتَعضُده. إنَّ الخلائقَ صُنِعوا- بطرائقهم المُتفاوتة- صُوَرًا لله، بِلا مُشارَكةٍ منهُم ولا مُشاورَةٍ لهم أيضًا. ولكنْ ليس هكذا يصيرون أبناءً لله. ثُمَّ إنَّ المشابهةَ التي ينالونها بالبُنوَّة ليست مُشابهةَ الصُّوَر أو الرُّسوم. فهي بطريقةٍ من الطرائق أكثر من مجرَّد مشابهة، لأنَّها اتِّحادٌ أو وحدةٌ مع الله في الإرادة؛ ولكنَّ هذا مُتناغِمٌ مع جميع الفوارق التي كُنَّا ننظرُ فيها توًّا. ومن هنا، كما قال كاتبٌ بشكل جيِّد، فإنَّ تشبُّهنا بالله في هذه الحياة- أعني تشبُّهَنا الإراديَّ بِوَصفه مُتميِّزًا عن أيَّةٍ من المُشابَهاتِ التي طبعَها الله على طبيعاتنا وحالاتنا- يجب أن يكون تشبُّهًا بالله المُتجسِّد: فإنَّ مثالَنا ليس هو يسوعَ الجُلجثة وحدَها، بل أيضًا يسوعُ مشغَلِ النِّجارة والطُّرُق والجمُوع، والمَطالِبِ الصَّاخبة، والمُعارَضات المؤكَّدة، والافتقارِ إلى كلِّ سكينةٍ وخُصوصيَّة، والمُقاطَعاتِ المُتكرِّرة. وذلك لأنَّ تلك الحياة- في اختِلافٍ غريبٍ تمامًا عن أيِّ شيءٍ يمكن أن نَنْسبَه إلى الحياة الإلهيَّة في ذاتها- لَيست على نحو واضحٍ مُشابِهةً فقط للحياة الإلهيَّة، بل هي هذه الحياةُ عينُها عامِلَةً في ظروفٍ بشريَّة.

وعليَّ الآن أن أشرحَ لماذا رأيتُ أنَّ هذا التمييز ضروريٌّ بالنِّسبة إلى أيِّ بحثٍ في محبَّاتنا. فإنَّ قَول الرسول يوحنَّا إنَّ الله محبَّة ما يزال يَتوازن في ذهني مُقابِلَ مُلاحظةٍ وضعَها كاتبٌ حديث هو أم. دنس دي روجمون (M. Dennis de Rougemont) إذ قال: ‘‘إنَّ المحبَّةَ تكفُّ أن تكونَ شيطانًا فقط حين تكفُّ أن تكون إلهًا’’. ويمكن طبعًا أن يُصاغ هذا القول مُجدَّدًا على هذا النَّحو: ‘‘إنَّ المحبَّة تبدأ بأن تكونَ شيطانًا لحظةَ تبدأ بأن تكونَ إلهًا’’. ويبدو لي أنَّ هذا التوازُن إجراءٌ وقائيٌّ لا مفرَّ منه. فإنْ نحنُ تجاهلناه، فإنَّ حقيقة كَون الله محبَّة قد تصير عندَنا خلسةً بمعنى العكس: أنَّ المحبَّة إله.

وأعتقد أنَّ كلَّ من يُفكِّر في هذه المسألة لا بُدَّ أن يدركَ ما عناه روجمون. فإنَّ كلَّ محبَّةٍ بشريَّة، في ذروَتها، مَيَّالةٌ لأنْ تدَّعيَ لنفسها سُلطةً إلهيَّة، حيثُ يميل صوتُها لأنْ يكونَ له وَقعُ صوتِ الله نفسه. فهي تقول لنا إنَّه علينا ألَّا نحسبَ النَّفقة، وتُطالِبُنا بالالتزام الكامل، وتُحاوِل أن تطغَى على جميع المَطالِب الأخرى، وتُوَسوِسُ لنا بأنَّ أيَّ عملٍ نقوم به مُخلِصينَ ‘‘لأجلِ المحبَّة’’ هو بذلك مشروعٌ، بل جديرٌ بالمُكافأة أيضًا. فإنَّ كَونَ الحُبِّ الشَّهوانيِّ وحُبِّ المرء لوطنه قد يُحاوِلان أن ‘‘يصيرا إلهَين’’ أمرٌ مُعترَفٌ به عمومًا. ولكنَّ المحبَّة العائليَّة قد تسلكُ السبيلَ عَينه. وكذلك أيضًا مَودَّة الأصدقاء. ولن أتوسَّعَ هُنا في هذه النُّقطة؛ لأنَّنا سنَلقاها مِرارًا وتكرارًا في الفُصول التالية.

الصفحات