أنت هنا

قراءة كتاب التوحيد في تطوره التاريخي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
التوحيد في تطوره التاريخي

التوحيد في تطوره التاريخي

لقد قررت إعادة طباعة كتابي "التوحيد في تطوره التاريخي" التوحيد يمان وما كنت أعلم أن هذه التسمية ستصبح واقعاً بإرادة الله، وبعد ما أحدثه جلّ وعلا من متغيرات في وجداني في لحظات، وفي ليلة جليلة مباركة، صحوت على أثرها وأنا إنسان آخر، وكانت لدي الشجاعة الكافية ا

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

رب العالمين

المقدمة

لقد قررت إعادة طباعة كتابي "التوحيد في تطوره التاريخي" التوحيد يمان وما كنت أعلم أن هذه التسمية ستصبح واقعاً بإرادة الله، وبعد ما أحدثه جلّ وعلا من متغيرات في وجداني في لحظات، وفي ليلة جليلة مباركة، صحوت على أثرها وأنا إنسان آخر، وكانت لدي الشجاعة الكافية التي نفحها الله فيّ لأن انتقد نفسي وقد فعلت ذلك أمام طلبتي في جامعة عدن عام 1982م. حين عدت من سفرتي المباركة لبلاد المغرب، وكان لا بدّ أن أعيد النظر في الكتاب. فأتى التعديل بفكرة جديدة، وهي لا بدّ من إيجاد لغة واحدة تجمع بين الفكر المثالي والمادي فالأول يعيد كل إيمان ومعرفة إلى الإرادة الإلهية ولا يهتم بتحليل الواقع فالحكم عنده من النظرة الأولى، يؤمن أو لا يؤمن، والموضوع يخدم الدين أو لا يخدمه أي أنه لا يرى غير أحد اللونين. أما الفكر المادي فإنه يأخذ كل أمر بالتحليل والمناقشة ولا يرجع الفكرة إلى القوى الخارجة عن الواقع المادي، كل شيء هنا في الأرض. صحيح أن كل شيء هو في الأرض ولكن أليس له رجع في السماء، وما من شيء في السماء ألا وأتى تبيانه في الأرض بإرادة إلهية. إذن لماذا لا نستخدم التحليل ثم لنرى مدى العلاقة القائمة بين الأرض (الحدث) والسماء (المتسببة به) أو (المحدثة له) وتوصلت إلى قناعة أن كل منهما يكمل الآخر فلما لا تنتهي الخصومة بينهما، وإن كانت هناك خصومة فهي بين الفكر والتطرف في الفكر الآخر. أي أنه يجوز للفكر المادي أن يحلل ويناقش، ويجوز للفكر المثالي أن يرجع الفكرة أو الإيمان بها إلى القوى الغيبية.

وعلى كل فقد قمت من قبل بتحليل ظاهرة الدين من وجهة نظر مادية، ثم قمت في هذه الطبعة أؤكد على علاقة الظاهرة بالسماء على الرغم من تمظهرها بمظاهر مادية مجسدة في صور ونقوش ونحوت تتغلب حيناً، وتنكسر حين آخر في زمان آخر، وقد يأتي الإيمان بالغيب متلازماً مع الإيمان بالمجسد والمصور.

في هذا الكتاب عرض لوجهتي النظر المختلفتين وقد تناولتا موضوعاً واحداً في غاية الأهمية بالنسبة للفكر الإنساني بصورة عامة والفكر العربي على وجه الخصوص، ألا وهو موضوع التوحيد والموحدين الأول. وتُمثل الأولى وجهة النظر المثالية التي اعتمدت في مناقشتها هذا الموضوع على الكتب المقدسة ورفدت معلوماتها بأخبار الإخباريين والروائيين الأول، وارتبطت وجهة النظر هذه بفئة معينة من الناس تداولت ومازالت تتداول قضايا التاريخ وفي مقدمتها موضوع بحثنا بقدسية متناهية رفضت معها أي جدل أو نقاش، متهمة كل محاولة بحث مخالفة لها بالخروج والمروق والزندقة،

حاملة في يدها ترسها التاريخي وحجتها الكبرى: الكتب المقدسة، جامعة حولها المؤمنين على اختلاف أديانهم من يهود ونصارى ومسلمين. بل ولقد انطلقت تعالج كل قضايا التاريخ من وجهة نظر الكتب المقدسة، ذلك أنها قد شكلت بالنسبة لها الخلفية التاريخية والفكرية والوجدانية. واعتمد فريق منهم- مؤرخو اليوم- وهم الموغلون في تقليديتهم، على الروايات والأخبار التي تناقلتها الأجيال، جيلاً بعد جيل، في سلسلة متتابعة الحلقات من التداول لأخبار الأمم السالفة، مضيفة إليها تخريجاتها ومعلومات أخرى من عندياتها مفصلة أخبارها في أحيان كثيرة بروايات عن طريق العنعنات "عن... وعن... إلخ".

ولقد قمت بهذه الدراسة بطرح وجهة نظر المثاليين، في موضوع التوحيد والاختلافات التي حدثت فيما بينهم حول أحقية وأسبقية أقوام على أقوام في تلك الفكرة. وحاولت أن أضع نصب عيني القارئ أحقية مجتمع جنوب الجزيرة في اعتناق تلك الفكرة قبل غيره من المجتمعات كما جاءت عند بعض مؤرخي هذا الاتجاه. ثم ناقشت الموضوع من وجهة النظر العلمية والتنقيبات الاركيولوجية والنثروبولوجية التي قامت على دراسة الآثار والمعطيات المادية من بقايا ما خلفته الأجيال السابقة داخل الكهوف أو في بطن المقابر أو تحت الرمال، واضعة كل ذلك في إطار فلسفي علمي يرى أن التوحيد الذي عرف في تلك الفترة إنما هو توحيد بإله منظور تمثل بكوكب من الكواكب الثلاثة وهي الشمس والقمر والزهرة، وتجسد في صورة ثور أو وعل أو حية أو بوم... إلخ. ثم تحول ذاك التوحيد المرئي والذي استنبط من أجل تأدية أهداف محددة للدولة والمجتمع، إلى توحيد بإله غيبي بعد مرحلة حضارية في شمال الجزيرة العربية أفل نجمها أثر الغزو والاحتلال الفارسي والبيزنطي للمنطقة. وحل الإله الغيبي محل الإله المرئي والمتجسد أثر تأثيرات الفلسفة اليونانية على الفكر الإنساني بصورة عامة والشرقي على وجه الخصوص. وبين وجهتي النظر هذه استعرضت وجهة نظر ثالثة حاولت المزج بين معطيات العلم ومعطيات الفكر المثالي فخرجت دراساتها غير مكتملة على الرغم من محاولات التوفيق التي قامت بها لتخضع معطيات العلم لمعطيات الفكر المثالي فأولدت عملية التزاوج التعسفي جنيناً ضعيفاً سوف نطالع صورته بين الأسطر ونحن نعرض وجهة النظر تلك.

وليس لنا من هدف في هذه الدراسة سوى أن نوقظ عند القارئ عقلانيته ليكون هو الحكم في قضية من أهم قضايا الفكر الديني أجهد الإنسان نفسه فيها كثيراً وهو يحاول أن يفلسفها ويضع لها المبررات الفكرية والروحانية لكونها نقطة الارتكاز والبداية لكل أمور الدين اللاحقة بها.

الصفحات