لقد قررت إعادة طباعة كتابي "التوحيد في تطوره التاريخي" التوحيد يمان وما كنت أعلم أن هذه التسمية ستصبح واقعاً بإرادة الله، وبعد ما أحدثه جلّ وعلا من متغيرات في وجداني في لحظات، وفي ليلة جليلة مباركة، صحوت على أثرها وأنا إنسان آخر، وكانت لدي الشجاعة الكافية ا
أنت هنا
قراءة كتاب التوحيد في تطوره التاريخي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الرسل والرسالات:
لقد ارتأت حكمته تبارك وتعالى ضرورة إرسال الرسل والأنبياء والمصلحين الواحد تلو الآخر حيث كانت التجمعات البشرية قد استقرت بجانب الأنهار وبدأت تشكل مستوطنات حضرية فكان أول رسلهم الذي نعلمه إدريس عليه السلام، وآمن خلق وكفر أكثر الناس، وكلما تعقدت الحياة وبعد الزمن عن إدريس ورسالته توغل الناس في الوثنية وابتعدوا عن الوحدانية والإيمان بإله واحد غيبي، وبدأوا في التصوير والتجسيد ثم عبدوا ما صوروه وما جسدوه وما نحتوه، واستمر الحال كذلك لمئات بل ربما لآلاف السنين وهو على الأغلب، وكلما تكاثر الناس والمعروف أن ذلك بمتوالية هندسية كانت القيم الدينية والروحية تضمحل وتتلاشى وكان قمة ذلك في عهد نوح عليه السلام، فبمقدار ما كان التطور المادي يتعاظم كانت القيم الروحية تتقهقر، وكان لا بدّ من تدخل السماء، والذي يتم عادة وفي كل مراحل التاريخ حين يحدث ذلك الخلل بين التقدم المادي والتقهقر الروحي فتنزل رسالة ويظهر نبي أو رسول لإعادة التوازن بين المكونين للإنسان، المادي والروحي، وكما يبدو من قراءة التاريخ الإنساني والطبيعي أن غضبة سماوية تجسدت في غضبة الطبيعة التي هبت لتنهي الحياة البشرية عن سطح الأرض المعمورة بطوفان عرف بالتاريخ الديني بطوفان نوح، ولم ينجو منه غير نوح ومن ركب معه في السفينة لحكمة إلهية وهي الحفاظ على الحياة البشرية على سطح الأرض، ونهضتها من جديد وذاك ما كان وتوسع العمران فقامت حضارات النيل والفرات وظهور الأنظمة الاستبدادية فيها التي نحت نحو التقديس لرأس الدولة الذين حسب بعضهم أنهم آلهة أو أبناء آلهة حتى تصور بعضهم أنه يجب أن يُعبد أو على أدنى وضع يُقدس كما فعل ملك بابل وهو المعروف بالنمرود، أو فرعون مصر الذي استخف قومه فأطاعوه، وركب الكبر أولئك الملوك والأباطرة إما لأن كان لهم الفضل في توسيع إمبراطورياتهم ونفوذهم، أو أنهم ورثوا تلك الممالك والإمبراطوريات وأرادوا أن يتوجوها بتقديس أنفسهم، وعلى كل فما كان يحدث في الأرض من تجاوزات وعبث وفساد وكبر وظلم، وابتعاد عن القيم الروحية والأخلاقية التي تتوق إليها الفطرة البشرية يدعمها خالق الكون من عليائه بإرسال الرسل والأنبياء لتأكيدها وإعادة الإنسان إلى صوابه وجادة الطريق التي يريدها الخالق للإنسان في حياته فكان إبراهيم في بابل يتحدى نمرود وصالح وهود في جنوب الجزيرة، وبوذا وهو يترك قصور والده، وزرادشت وماني في الهضبة الإيرانية، وكونفوشيوس وهو يعلم أبناء قومه الحكمة في الصين، وموسى في مصر يحاور فرعون ويتحداه في بني إسرائيل والمسيح بن مريم في الناصرة يحاول أن يحد من تعصب الفريسيين وكهنة اليهود.
إن أول ما بدأ ظهور الرسل كان مع الظهور الآدمي على الأرض منذ آدم وحواء عليهما السلام فكانت الرسالة معهما لأولادهما، ملقنين إياهم أن لكون إله واحد، وأن عليهم ألا يقتلوا أنفسهم وكان هذا أول تشريع للبشر، صيانة النفس وعدم قتلها وهو التشريع الحقيقي والضروري لحياة الإنسان وبقائه على الأرض كي يبقى وجوده ويستمر، كانت الحياة البشرية تنتقل من مرحلة إلى أخرى وحين كان يحدث الانحراف العقائدي كانت السماء تتدخل برسالة لتصحيح ذاك الانحراف وإعادة الدين إلى وضعه الطبيعي بالتأكيد على وحدانية الله وإرساء شريعة تتوائم مع الواقع الجديد، وهكذا أصبح إرسال الرسائل دواليك إلى الأرض وهو ما سيبقى سنة إلهية للدين والعقيدة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهكذا تتابع المرسلون نوح بعد إدريس ثم من بعده إبراهيم عليهم جميعاً السلام، ومع كل رسالة وظهور رسول كانت تحدث في الطبيعة والكون متغيرات عظيمة. فمع إرسال إدريس عليه السلام حدث ما حدث من عقاب للإنسان نتيجة انحرافه عما كان يعبد آدم وزوجه ومن بعدهما ذريتهما، وصحح الإنسان مسيرته الإيمانية بعد العقاب الإلهي الذي حل بقوم إدريس، ثم انحرف من جديد بعد مسيرة طويلة لا نعرف قياسها الزمني انتشر فيها الوجود البشري على مساحة أوسع من سابقتها، ولا شك أن ذلك اقتضى آلاف السنين، وحين حدث الانحراف الثاني أرسل الله تقدست حكمته نوح عليه السلام لكن قومه كانوا أشد عتواً ونفوراً، وما آمن برسالته إلا قلة قليلة من الناس وتجرأ عليه الجمع حتى ابنه وزوجته وما كان له خيار ولا للسماء إلا أن يسلط الله عليهم غضب الطبيعة بالطوفان ليهلك كل من كان على الأرض المعمورة في ذاك الزمان، على أن دعوة نوح ما كانت إلا دعوة إلى وحدانية لله مطلقة وعود عن الغي والبغي الذي انغمس به القوم فما كانت دعواه إلا أن يطمس الله الأرض ومن عليها من بني البشر " ربي لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" فكان الطوفان العظيم الذي غطى الأرض، وهناك دراسات اركيلوجية تخبر بذلك على الرغم من تباين الزمن بينها وبين الاطروحات الدينية، إلا أن طوفاناً مروعاً قد حدث على الأرض وقضى على الحياة فيها، لتبدأ من جديد بالجماعة القليلة العدد التي بقيت ولنقل أنها كانت على ظهر سفينة نوح ولتعيد هذه الجماعة الحياة على الأرض بالقيم الدينية والأخلاقية التي أبقى عليها أولئك النفر، والذين راحوا يبنون حضارة ما بعد الطوفان، وهكذا بقيت حضارات تظهر وأخرى تختفي، ودين جديد يثبت أركانه، وآخر يشيخ ويندثر ولا تبقى منه سوى القصص والأساطير، وليس بين حضارة وحضارة ولا بين دين ودين زمن محدد، فقد يطول الزمن وقد يقصر، وقد يكمل دين دين آخر، وقد يأتي بجديد أو ينسخ ما قبله لا يحكم إلا بقاعدة واحدة أن يأتي بمجموع قيم تتناسب وزمنه فقط حتى يكاد أن يكون مدونة تاريخية لها قدسيتها بصرف النظر عمن يؤمن بذلك، لكن سيبقى وضع الأديان كوضع أي خلق في الوجود يبدأ ويشب ثم يشيب، ميلاد فنضج فممات. تلك هي سنة الخالق الخالدة فسبحان من له الخلد وحده.