لقد قررت إعادة طباعة كتابي "التوحيد في تطوره التاريخي" التوحيد يمان وما كنت أعلم أن هذه التسمية ستصبح واقعاً بإرادة الله، وبعد ما أحدثه جلّ وعلا من متغيرات في وجداني في لحظات، وفي ليلة جليلة مباركة، صحوت على أثرها وأنا إنسان آخر، وكانت لدي الشجاعة الكافية ا
أنت هنا
قراءة كتاب التوحيد في تطوره التاريخي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جاء آدم وحواء إلى الحياة الدنيا ولديهما القدرة على التكيف مع الطبيعة التي أخرجهما الله من طينها وتعرفا على محيطهما بإرادة إلهية، وبعد أن أدركاه بكل تقلباته شعرا أنهما بحاجة إلى شيء ما يتنفسا به مما يختلج في داخلهما من انفعالات فطرية مشوبه بخوف وخشية من قوة مهيمنة على الوجدان ومسيطرة على الكون فكان التسليم لها والإيمان بها، وكان لا بد أن يتجسد هذا التسليم بطقوس وحركات تعبدية، ومن هنا فأنا لا نكاد نرى أمة من الأمم إلا ولها حركات تعبدية تميزها عن غيرها، وذاك هو الدين، وقد تشكل ذلك عبر أزمنة طويلة وبعد أن تشكلت القبائل والأقوام والشعوب في هذه المراحل والأزمنة تقلب الإنسان من حال محال، ووجدانه من انفعال إلى انفعال، من خوف وخشية إلى تمرد وكبر وغرور، من خضوع لإرادة غيبية إلى تمرد عليها ورفض لها، وما قصص الأنبياء مع أقوامهم إلا ترجمة لواقع حال الإنسان الروحي، فقد آمن آدم وزوجه بالله للعلاقة التي كانت بينه وبين خالقه، حين كان يتلقى منه الكلم والأمر مباشرة، مع احتجابه عنه، ثم أتى من بعدهما خلفة تباينت مشاعرهم فمنهم من آمن واتبع الهدى الذي كان أبواهما قد اختطاه لنفسيهما في الحياة الدنيا بعد ندم وتوبة عصيان لأوامر ونواهي ربانيه، وسارت البشرية بين إيمان وكفر وابتعاد عن الدين وتشويه له، وانحراف عنه إلى إيمان فطري بالقوة العظيمة، ومع التكاثر لذرية آدم استمر الخلق يضل بعضهم، والبعض الآخر يظل على إيمان آبائه وأجداده، وتكونت الجماعات لتشكل قبائل وشعوب وتبنى حياة مستقرة وليتطور نمط فكرها وحياتها، ولتبنى حضارتها بحسب واقع حالها، ومع ذاك البناء المادي تطورت وتعقدت الحياة الروحانية وكان لا بدّ من دفعها برسل ورسالات من القوى الغيبية التي كانت تنظر وترى ما يحدث في واقع حياة الإنسان، فهي تريد له الخير الذي بيدها ناصيته والذي يجهله الإنسان ويكابد ليفهمه وكان الرسل والأنبياء والمصلحون والحكماء لأمم الأرض، حيث نثر الله الإنسان وعلمه كيف يحيا وكيف يتجاوب مع بيئته التي هيئها الله للوجود الآدمي، ومن أوغل في القدم منهم لا نعلم عنهم إلا قليلاً حتى كان زمن إدريس فعلمنا عنه ما لم نكن نعلمه عن من سبقه لأن البشرية لم تكن بعد قد تعرفت على النقش والكتابة، ثم بدأت تتناقل وتتوارت الأخبار وسبب ذلك رغبة التجمع القبلي لبنى إسرائيل في الحفاظ على عنصرهم وقبائلهم، فبدأوا في تدوين قصص رجالات عرفوا كأنبياء وعلى رأسهم نوح عليه السلام وقبله إدريس الذي لم يأتي ذكره إلا عرضا وفي تعريف موجز. وكان ذلك طبيعي فكل يؤرخ لما يعرفه ويسمع عنه من قومه وممن سبقوه، فلم يذكر في مدونتهم التوراة أنبياء ورسل وحكماء أمم بعيدة عنهم كأمم الهند والصين والهضبة الإيرانية أما من بَعُد كثيراً كالهنود الحمر فلا يعرف عنهم شيء فكيف برسلهم وحكمائهم، من هنا فقد بقيت المدونة التاريخية التوراة لا تحمل إلا أسماء رسل وأنبياء هذه المنطقة وعلى رأسهم إبراهيم عليه السلام وجاء القرآن ليسير على نفس المنوال مع تلميح بسيط إلى أن الله جل شأنه قد أرسل رسله في كل الأمم "وما من أمة إلا بعثنا فيها رسولاُ إلا بعثنا فيها رسولاً ولم يكن لزاماً معرفتهم فما انبأ الله محمد بشيء عنهم وأراد منه عزّ وجل أن يلمح في القرآن تلميحاً.