يعود الـسحر المـصري إلى عهد السلالات الأولى، بل إلى قبل تلك الحقبة، إذ كان سكان مصر يعتقدون بأن الأرض والعالم السفلي والهواء والسماء تسكنها مخلوقات لا تُعد ولا تُحصى. وهذه المخلوقات مرئية وغير مرئية، وأن بعضها صديقة والأخرى عدوة للبشر وهي توجه الطبيعة.
أنت هنا
قراءة كتاب الـسحر المـصري
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
قِدَم الممارسات السحرية في مصر في الجزء الأول من هذه السلسلة، قدمت محاولة لعرض جملة الأفكار والمعتقدات، التي كان يؤمن بها المصريون القدماء، بشأن الآلهة، والحكم، والبعث، والخلود. وباختصار لرسم الخطوط العامة لكل ما هو جميل وسام ورائع في ديانتهم. وقد تم استنباط هذه الحقائق من الأعمال الدينية البدائية، التي يرجع تاريخ آخرها إلى بضعة آلاف من السنين في حين يرجع تاريخ أقدمها إلى حوالي ستة آلاف إلى سبعة آلاف سنة. والمقتطفات المدونة لدعم الاستنتاجات المسطرة، قد تساعد القارئ للبت في دقة الاستنتاجات التي تم التوصل إليها. ولقد أهمل العديد من الكُتّاب الذين درسوا الديانة المصرية حقيقة أنها كانت ذات وجهين. فهي من ناحية تشبه في العديد من الأوجه الديانة المسيحية كما هي عليها اليوم، في حين تشبه من النواحي الأخرى ديانات العديد من الطوائف التي ازدهرت في القرون الثلاثة أو الأربعة الأولى من عصرنا، والتي يمكن أن يقال عنها إنها قد حملت أفكاراً كان بعضها مسيحياً والآخر غير مسيحي. وتمثل في جانبها غير المسيحي مجموعة أفكار وخرافات تعود إلى مجتمع وحشي أو شبه وحشي، والتي حافظت على بقائها لدرجة ما في عقول المصريين لفترة طويلة بعد أن بلغوا درجة عالية من الحضارة. ولنا أن نعتقد بأن مثل هذه الأفكار والمعتقدات طفولية وغير عقلانية، ولكنه ليس هناك من سبب محتمل يدعونا للشك في أنها كانت أشياء ذات صفة حقيقية بالنسبة للأشخاص الذين كانوا يؤمنون بها. وسواء أكانت تلك الأفكار طفولية أم غير عقلانية أم ذات الصفتين معاً، فإنها بالتأكيد انتقلت إلى ديانة سكان مصر، حيث نمت وازدهرت وحيث تم في الأقل تبني العديد منها من قبل المصريين الذين حولوا ديانتهم إلى المسيحية أو القبطية. وهناك إشارة إلى هؤلاء في أفضل الأعمال الكلاسيكية التي دونت عن قدماء المصريين. وهناك احتمال كبير أنها انتقلت إلى أدبيات الشعوب العظيمة الأخرى التي لها تاريخ قديم، وتحدرت من خلال اليونانيين والرومان والعرب إلى أقطار أوروبا. وفي الصفحات القادمة ثمت محاولة لتزويد القارئ بالدليل على الجانب السحري من الديانة المصرية، التي لم تكن في مكانها في العمل السابق الذي خصص موضوعه لوصف المعتقدات ذات الطبيعة الروحية الواضحة. وأما في الكتاب المصري حول أفكار مستقبل الحياة فقد استمدت الحقائق التي ذكرت فيه من أوراق البردي والوثائق المحلية الأخرى. وقد اقتبست المقتطفات من مؤلفات استخدمها المصريون لإنتاج تأثيرات سحرية. كان السحر المصري على نوعين، الأول لأهداف مشروعة، مع فكرة إيصال الفوائد إلى الأحياء أو الأموات، أما النوع الثاني فكان يستخدم للتآمر وتنفيذ الخطط الدنيئة بهدف إحلال المصائب بمن يوجه ضدهم هذا السحر الأسود. ونلاحظ في الكتب والنصوص الدينية كيف استخدم السحر كأداة للدين، ونجده في بعض الأحيان جنباً إلى جنب مع أكثر المفاهيم روحية، ومن المؤكد أن هدف الكتب والطقوس السحرية كان لفائدة البعض الذين كانوا على اطلاع على تلك الكتب لكي يتمكنوا من استخدامها. ولكن المصريين لم يكونوا محظوظين بما فيه الكفاية لكي يتفهمهم العديد من الأغراب الذين كانوا يزورون بلادهم. ونتيجة لذلك فقد انتشرت بين الأمم المحيطة بهم أفكار خاطئة ومُبالغ فيها عن ديانتهم. أما طقوسهم السحرية التي كانت تجرى لدفن الموتى من قبل الجهلة فاعتبرها الأغراب إما خرافات سخيفة أو أعمال سحر أسود، وبينما كان السحر بين كل أمم الشرق الـقـديـم مـوجـهاً تمـاماً ضـد قـوى الظـلام، واختُرِع لإحباط خطط تـلك القوى بالتضرع إلى الكائنات الخيّرة لمساعدتهم، فقد هدف المصريون إلى العمل على امتلاك القدرة، بغية توجيه آلهتهم للعمل من أجلهم، وإجبارهم على الظهور بناءً على رغبتهم. وتوصلوا إلى هذه النتائج العظيمة باستخدام كلمات معينة ولجعلها مؤثرة تنطق بصوت موزون من قبل رجل متمرس وكانت هذه الكلمات تكتب إما على الأحجار الكريمة أو ورق البردي ويعلقها الشخص على شكل تعويذة ويمكن أن يصل تأثيرها إلى أي مكان ونجد أن كل رجل وامرأة وطفل في مصر، من الذين كانوا قادرين على اقتنائها، كان يعلق تعويذة أو طلسماً. ومن ثم فليس من العجب أن يُعد المصريون وبإعجاب ومنذ القدم على أنهم شعب سحرة. وقد أشار إليهم اليهود والإغريق والرومان على أنهم كانوا خبراء في علوم السحر وأنهم يملكون قوى يمكن توجيهها للخير أو الشر. ونعرف من اليهود الكثير عن قوة السحر المصري، ويفتخر القديس ستيفان بأن المشرع العظيم النبي موسى كان على معرفة بكل الحكمة المصرية، وأنه كان جباراً باستخدام الكلماتü والقيام بأعمال خارقة. وهناك ملامح عديدة عن هذا الرجل العظيم تظهر بأنه كان على معرفة بممارسات السحر المصري. وكلمة «جبار بالكلمات» يمكن أن تعني بأنه مثل الآلهة إيزيس «قوي اللسان» وينطق كلمات مفعمة بالقوة يعرفها بتهجٍ صحيح بحيث أنه لم يكن يتلعثم في كلامه، وكان مثالياً في إعطاء الأوامر ونطْق الكلمة. مثلاً تحويل الأفعى إلى عصا خشبية(1) وإعادة العصا إلى أفعى زاحفة(2). إن هذه الممارسات كانت سائدة في الشرق منذ أقدم العصور، وإن قوة السيطرة وتوجيه مثل هذه الزواحف السامة كانت أحد المواضيع التي يفخر بها المصريون وكان متمرساً فيها، وحتى عند بناء الإهرامات كان المصريون يمارسون هذا السحر. ولم يكن هذا هو الدليل الوحيد، إذ كان متمرسـاً بالـسحر المصري مـثـل الحكيم أبا أنير والملك نكتانيبوس وكل سحرة مصر منذ أقدم العصور وكان لديه ولدى أخيه هارون عصا سحرية(1) وكانا يستخدام العصا للقيام بعجائبهما. فبكلمة من موسى يرفع هارون عصاه، ويحول المياه إلى دماء، وينشرها فوق المياه، فتظهر أعداد من الضفادع. وعندما يضرب التراب بالعصا يتحول التراب إلى قراد وغيره. وعندما ينثر موسى الرماد إلى أعلى تظهر الدمامل والقروح على أجساد الرجال والقروح. وعندما يمد عصاه تمطر بوابل من نيران، ويختلط البرَد الثقيل بالنيران، وتُصاب أشجار الكتان والشعير بالآفات. وعندما يمد عصاه تأتي أسراب الجراد، ويحل بعدها الظلام. قام موسى بكل هذه الأعمال التي أدت إلى موت ملكهم، بإعطاء أوامر إلى إلهه باستخدام الكلمات التي نطقها. ورغم أن الكُتّاب اليهود يقولون بأن السحرة المصريين لم يكونوا قادرين على تقليد معجزات موسى فمن المؤكد حقاً أن أي ساحر مصري كان يعتقد بأنه قادر على القيام بمثل هذه الأعمال بمجرد ذكر اسم أحد آلهته أو بنطق الكلمات التي تلقى تلاوتها أمام إلهه. وهناك عدة أدلة تشير إلى قدرة السحرة المصريين على دحر أعدائهم بمجرد نطق بعض الكلمات التي لها قوة سحرية، والقيام بطقوس بسيطة. ولكن يجب التفريق تماماً بين سحر موسى وسحر المصريين الذين عاش بينهم، إذ كان موسى موجهاً من إله اليهود بينما كانت آلهة المصريين تقوم بالأعمال بأمرة الإنسان الذي يوجهها لنطق الكلمات. ونجد في أعمال موسى «أنه مد يده فوق البحر وقام الرب بحسر مياه البحر بريح شرقية في الليل، وجعل البحر أرضاً يابسة، وانشقت المياه وتمكن أبناء إسرائيل من عبور البحر من اليابسة، وأصبحت المياه حائطاً على جهتي اليمين والشمال» و«عندما تبعهم المصريون مد موسى يـده بـأمر مـن الرب فعـادت المـيـاه إلـى مجـراهـا وغطـت العربـات والخيالة وموكب فرعون»(1). ولكن السيطرة على المياه والبحار والأنهار كانت ادعاءات مصرية قبل ظهور موسى، كما نجد ذلك في ورقة بردي محفوظة في ويست كار(2). كتبت هذه المقطوعة إبان الفترة الأولى من السلالة الثامنة عشرة قبل حوالي 0551 قبل الميلاد. ومن الواضح أن ما كتب فيها يعود إلى عصور الإمبراطورية القديمة، وهي بقدم الهرم الكبير. والقصة متعلقة بالملك خوفو «جيوبعس» ومن قبل بايو فراع في عهد أبي الملك وتعطي دليلاً على قوة سحر الكاهن(3) جهاثجا أيم عنخ Thatcha - em - ankh.