رواية " الطلياني " ، للمؤلف التونسي شكري المبخوت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع - لبنان
أنت هنا
قراءة كتاب الطلياني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الشّخص الوحيد الذي كان يبتسم، ابتسامة غامضة ملتبسة تجمع الرّضى إلى شيء من الخبث وبعض الشّماتة هو زوجة الإمام، جارة العائلة بنفس الزّقاق، «للّا جنينة». قالت لهم:
- «عبد النّاصر على حقّ ولو كنت مكانه لفعلت أكثر ممّا فعل».
اندهش الجميع وأشاحوا بوجوههم عنها. فهم يعتبرونها، رغم أنّها لم تتجاوز الأربعين إلّا بسنتين أو ثلاث، قد بدأت منذ سنوات تخرّف وصغُر عقلها لأنّها تخالط كثيرًا أطفال الحيّ تعويضًا عن حرمانها من الإنجاب. ويستدلّون على ذلك بأنّها متحجّبة وزوجة إمام ولكنّها لا تؤدّي واجباتها الدّينيّة. وحتى زوجها الإمام الشّيخ علّالة نفض يديه منها ويدعو لها، صباح مساء في صلاته وفي غير صلاته، بالهداية.
ولكنّ هذا كلّه إنّما هو ظواهر الأمور. فما وقع أمرٌ فعلاً شنيع وبقيت أسئلة عديدة معلّقة. إذ تساءل من تبقّى من أصدقائنا المشتركين أسئلة لم أجد الشجاعة لإجابتهم عنها وقتها: لِمَ فعل عبد النّاصر ما فعل؟ هب أنّ له مبرّرًا لضرب الشّيخ علّالة فلِمَ اختار يوم دفن أبيه؟ لِمَ انتابته تلك الحالة الهستيريّة ليجد نفسه في المصحّة يحقنون له حقنًا لإزالة التّشنّج؟ وهل يليق تصرّفه الأرعن بشخص في الثلاثين من العمر؟
وإلى الآن لم يفهم أحدٌ من أبناء الحيّ أو ممّن حضروا في المقبرة أو ممّن قَدِموا للعزاء في البيت أو ممّن واسوا العائلة في حفل الفرق شيئًا من أسرار تلك النازلة.
لا أحد فهم عدَا للّا جنينة على ما بدا للحاضرين ولكنّها لم تبحْ بشيء وتركت الأمر في مجمع أسرارها.