رواية " الطلياني " ، للمؤلف التونسي شكري المبخوت ، والذي صدر عن دار التنوير للنشر والتوزيع - لبنان
أنت هنا
قراءة كتاب الطلياني
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
شعاب الذكريات
1
انتهت جميع المراسم وبقي السّرّ علكة يلوكها أفراد العائلة خلال زياراتهم العائليّة وتستذكرها الجارات على عتبات منازلهنّ ويستعيدها أبناء الحيّ في جلساتهم الخمريّة. ولكن لا أحد كان يجرؤ على أن يتحدّث إلى عبد النّاصر. فقد انهار إثر الحادثة وبدأ ينحدر إلى نحبه في ما ظنّ الجميع. شحب وجهُه وذهب ألقُه ونحل نحولا مرضيًّا بعد أن غرق في الكحول والسّجائر والعزلة حسب المعلومات الشّحيحة التي ذكرتها باقتضاب شديد أخته يسر، الوحيدة التي كان يحبّ أن يراها في بيته. فقد كان يترك لها مفاتيح البيتين اللّذين سكنهما بعد أن كلّفها خلال فترات عديدة بالبحث عن معينات منزليّة من الحيّ والإشراف عليهنّ في التنظيف. كان يغدق عليها الأموال منذ أن أصبح صحفيّا مترسّما في الجريدة الناطقة باسم الحكومة. فتح لها حسابًا جاريًا بالبريد تجمع فيه أموالها. وحين كانت تستكثر ذلك كان يجيبها:
- «أريدك أن تشتري لجهازك أفضل ما يوجد. بعد أسبوع سيأتي الخطّاب».
كانت تضحك وتمازحه:
- «بعد أسبوع! لا.. لا أستطيع الانتظار، أريد عريسا غدا».
كانت تضع رأسه بين يديها وتقبّل جبينه وقد اغرورقت عيناها دمعًا. ولكن آخر مرّة أعادا فيها هذه الإسطوانة، وهو يستعدّ للطلاق من زينة، قالت له لترفع من معنويّاته:
- «ومن أين لي برجل حقيقيّ مثلك؟».
أجابها ببرود وهدوء محذّرًا:
- «إيّاك أن يكون مثلي!».
- «يا حسرة عليك! أنت سيّد الرّجال ولكنّها لم تكن من «كارك».. لم تكن مناسبة».
ابتسم ابتسامة صفراء. وامتلأ صوته بشجن لم تألفه منه أبدا وردّ عليها:
- «أنا الذي كان غير مناسب. تأكّدي ممّا أقول.. أنا لا أصلح لشيء البتّة».