رواية "هناك في سمرقند"؛ للكاتب الفلسطيني أسعد الأسعد، الصادرة عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب هناك في سمرقند
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

هناك في سمرقند
الصفحة رقم: 3
- هل كان يهوديًّا، أم نصرانيًّا، أم مسلمًا؟
- كان رجلاً صالحًا، ولذا اعتبره كل من اليهود والمسيحيين والمسلمين منهم، وأظنك رأيت الجميع هنا عند الضريح، كلهم جاؤوا يقدسونه، ويستخيرونه. اختلطت دعواتهم، وتمنياتهم، حتى أنك لم تعد تعرف من هذا، ومن ذاك.
- ما يهمني من كل ذلك يا سيدي، هذه الورقة التي وجدتها بين حجارة ضريح النبي دانيال في الموصل، وحين ذكر لي أحد الحجاج العائدين من مكة إلى ديارهم في خوارزم، أنَّ ضريح النبي دانيال موجود في ظاهر سمرقند، وجدتها فرصة طيبة لمرافقتهم إلى هذه الديار، لعلّي أقضي مرادي، وأحقق غايتي...
- وما مرادك أيها العربي؟
- قلت لك، يا سيدي.
- أوَ تريدني أن أصدق أنك قطعت آلاف الأميال من أجل أن تسأل رجلاً قضى منذ آلاف السنين؟ قل لي أين تقيم؟
- اتخذت من أحد الأضرحة المنتشرة في مقبرة "شاه زند" ملاذاً ومسكنًا، بعيدًا عن عيون المتطفلين.
- بني، لقد فعلها تيمور، وانتهى الأمر.
- ودانيال؟ لماذا فعلها دانيال؟! وإن كان فعلها، وأذن لتيمور بدخول بغداد، فهو شريك له في ما حلَّ ببغداد وبلاد الرافدين.
- سمعت الجواب، فإن لم يكن لديك ما تسعى إليه في هذه البلاد، أنصحك بالرحيل، فأهل سمرقند لا يحبون الغرباء، منذ أن جاءها الإسكندر المقدوني غازيًا، لكنَّ مقاومة مملكتَي "الصغد" و"بكتيريا"، القريبتين من سمرقند، دفعته إلى السعي للزواج من "روكسانا"، ابنة ملك بكتيريا، المنحدرة من أصول فارسية، فانقلب البكتيريون، وتحالفوا مع الإسكندر، صهرهم الجديد، ما أدى إلى غلبتهم وانتصارهم على الصغديين، وما زال أهل سمرقند يتحدثون عن "روكسانا"، وجمالها، وعن عجز الإسكندر، وعدم قدرته على معاشرتها، وبأنه لم يكن ينفع النساء، وكيف اندفع بجيشه، بعد ذلك، إلى "خوجاند" جنوبًا عبر وادي فرغانه، وحين حاول عبور جبال الهملايا من أطرافها الغربية نحو الهند، بدأت قواه تنهار، وجيشه يتفكك، وخيله بالنفوق، فاضطر إلى التراجع والانسحاب غربًا نحو الإسكندرية، ومن هناك إلى موطنه مقدونيا، لكنه مات في الطريق، وانهارت إمبراطوريته بعد أن أقعده المرض.
أما تيمور، فقصته لا تزال على لسان كل سمرقندي، بل على ألسنة أهل آسيا الوسطى، يرددونها، ويتناقلونها، وكلما أخذتنا السنون بعيدًا، تبدلت حكاياتنا، وانحرفت مساراتها، حتى اختلطت عليهم نهاياتها، وتشعبت تفاصيلها، وضاعت أصولها، ولا يزال أهل سمرقند يرددون حكايات لا يعرفون مصدرها، عن بعثة جاءت إلى مدينتهم لنبش قبر الأمير تيمور، بعد سيطرة البلاشفة على سمرقند، لكنهم لم ينجحوا، وعادوا من حيث أتوا، وحين قرر "ستالين" نبش قبر الأمير تيمور، ونقله إلى موسكو في العام (1941م)، أشار عليه بعض معاونيه إلى أن لا يفعل ذلك، إذ إنَّ حربًا عظمى سوف تنشب في اليوم التالي إذا فعل ذلك. لم يأخذ ستالين بنصيحتهم، وأرسل بعثة إلى سمرقند، نقلت رفات الأمير تيمور يوم (21/6/1941م)، فاندلعت الحرب ضد الاتحاد السوفيتتي في اليوم التالي (22/6/1941م)، وقد بقي الرفات في موسكو ستة شهور، إلى أن أشار عليه بعض معاونيه إلى إعادة الرفات إلى سمرقند، وقد دارت به الطائرة، التي حملته في أجواء موسكو، قبل أن تتوجه إلى سمرقند، وما أن ابتعدت الطائرة حتى بدأ جيش النازيين بالتقهقر والتراجع عن حصار موسكو.
وأما أهل سمرقند، فما زالوا يتداولون أسطورة تتحدث عن جنكيز خان، جد الأمير تيمور، كيف أمر بدفن جثمانه في حفرة عميقة مع حصانه الذي مات معه، وأن يسيّروا ألف حصان فوق القبر حتى لا يتركوا أثرًا يُستدل به على مكانه، وقد فعل المغول ما طلبه جنكيز خان، بل إنَّ أهل سمرقند ما زالوا يؤمنون بأنَّ القيامة سوف تقوم، إذا عثر أحدهم على قبر جنكيز خان، ومعروف أنَّ أحدًا لم يعثر عليه حتى اليوم.
- لكلٍّ قيامته يا مولاي، فإن مات أحدهم جاء أجله، أو قل قامت قيامته.. قال علي شير.