رواية "هناك في سمرقند"؛ للكاتب الفلسطيني أسعد الأسعد، الصادرة عام 2012 عن دار الجندي للنشر والتوزيع، نقرأ من أجوائها:
You are here
قراءة كتاب هناك في سمرقند
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية

هناك في سمرقند
الصفحة رقم: 6
الفصل الثاني
كانت العتمة تلمّ سترها، وقد غلبها ضياء الفجر المتسلل عبر الأودية المحيطة بالمدينة، حين تراجع الليل، وقد أدركه الصباح أو كاد. استأذن الفتى العربي علي شير مضيفه بختيار، وقد أحس بالتعب والنعاس، لكنَّ الشيخ أشار إليه بيده فيما توجه إلى الضريح وعاد بعد قليل حاملاً عصاه. رمى عباءته على كتفه، بينما وقف علي شير منتظرًا ما سيقوله بختيار.
- اسمع يا بني، ليس بعيدًا من هنا، سوف أصحبك إلى حفل أوزبكي، نأكل "البلوف"، لا يختلف كثيرًا عن الطعام العربي، بل يشبهه إلى حد كبير.
- عرفت "البلوف" فقد تناولته في مقبرة "شاه زند" حيث أقيم هناك، في أحد الأضرحة وقد أخبرتك بذلك.
- لكن "البلوف" الذي ستأكله مختلف عن الذي تعرفه، أرز ولحم أكثر، ودهن أقل، إضافة إلى الكثير من المكسرات (الجوز واللوز والبهارات الخاصة) والجزر، إنها الأكلة الأكثر شعبية في أوزبكستان، بل في أسيا الوسطى، ولكل منطقة "بلوفها" الخاص بها، كما يمكن التعرف إلى وضع صاحب الدعوة الاجتماعي والاقتصادي من مكونات "البلوف" وتوابعه، لذلك تختلف الموائد من طبقة لأخرى، ومن مضيف لآخر.
- لا بأس، يا مولاي، سوف أبدأ يومي بالبلوف الذي تعودت على تناوله في الصباح، كما يفعل أهل هذه البلاد في مناسباته.
- سوف لن تندم.
- لن أندم، يا سيدي، فمنذ أن جئتكم، لم أعرف غير البلوف و"الصمصة"؛ مرة باللحمة المفرومة، ومرة أخرى بالبطاطا. نحن نعرفها أيضًا.
- دعوتي لك ليس للأكل فقط، وإنما لغايات أخرى.
- وما هي، يا مولاي؟
- سوف تعرفها هناك.
أشار بختيار برأسه منطلقًا نحو المنحدر المؤدي إلى عين الماء، التي شرب منها الأمير تيمور، وكان يحلو له الاسترخاء عندها، وغسل قدميه بالبركة الصغيرة، حيث يتجمع الماء قبل أن يصب في النهر الصغير، القريب من عين الماء.
وقف علي شير يراقب بعض النسوة يحملن دلاءً صغيرة، وقبل أن يملأنها، يتبركن بمياه العين، ويمسحن وجوههن بها، كأنما يبعدن الشر عنهن، ويقرأن ما تيسر من القرآن، أو كتب مقدسة أخرى، أملاً في نيل البركة، واستجابة دعواتهن وتمنياتهن.
الطريق إلى "ريغستان" تحتاج إلى وقت ليس قصيرًا. أوقف بختيار سيارة روسية من نوع "لادا" قديمة، لا تزال تعمل على الرغم من مرور أكثر من عشرين سنة على صنعها.
أخرج بختيار من محفظته ألفي "سوم"، وأعطاها للسائق العجوز، على الرغم من أنَّ هذا طلب ألفي "روبل"، ما دفع علي شير إلى سؤاله مستغربًا:
- أما زلتم تتعاملون بالروبل حتى بعد استقلالكم عن روسيا؟
- لا يا بني، نحن نتعامل بعملتنا "السوم"، لكن كثيرًا من النَّاس ما زالوا يطلقون عليها "روبل"، بحكم العادة ليس إلا.