You are here

قراءة كتاب فن الإصغاء

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فن الإصغاء

فن الإصغاء

الكتاب الحالي "فن الإصغاء" الذي ترجمه إلى اللغة العربية الكاتب والمترجم محمود منقذ الهاشمي، لا يتحدث عن التقنية التحليلية النفسية؛ وفعلاً، ففي رأي فروم، وضد زعم الكتب المدرسية عن التقنية التحليلية

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

على أن باختين ذاته قد وقع في النسبوية في ذلك الكتاب الذي حذّر فيه من النسبوية والدوغمائية. وقد زعم أن الرواية الحوارية تقوم على بعدين هما: إما أن تؤخذ الأفكار لمضمونها، وعندها تكون صحيحة أو مغلوطاً فيها؛ وإما أن تؤخذ على أنها إشارات إلى نفسية الشخصيات. وتوهّم باختين أنه اكتشف حالة ثالثة في الفن الحواري، بعيدة عن الصواب والخطأ، وعن الخير والشر، وهي أن كل فكرة هي فكرة شخص، تتحدد بالنسبة إلى الصوت الذي يحملها، وبالنسبة إلى الأفق الذي تهدف إليه. وهكذا نجد تعددية وجهات النظر: فهناك وجهات نظر الشخصيات، ووجهة نظر المؤلف التي تستوعبها؛ ولا تعترف بالأفضليات أو الطبقية. وهذه هي النسبوية بعينها، النسبوية التي أدرك هو ذاته أنها تستبعد الحوار، فكيف تكون البعد الثالث للحوار!
ولم ينجُ باختين من الدوغمائية كذلك، ولعل أبرز مثال على دوغمائيته هو اعتقاده أن أسطورة آدم التوراتية هي الوحيدة التي لا تدخل في علاقة تناصيّة مع أي نص سابق. يقول: «آدم فقط هو الوحيد الذي كان يستطيع أن يتجنّب تماماً إعادة التوجيه المتبادلة فيما يخص خطاب الآخر الذي يقع في الطريق إلى موضوعه. لأن آدم كان يقارب عالماً يتّسم بالعذرية، ولم يكن قد تُكلّم فيه، وانتُهك بوساطة خطاب الآخر»
فقد صار معروفاً أن أسطورة الفردوس السومرية «ديلمون» تكمن في أساس القصة التوراتية، وفيها جنة الآلهة التي تجري من تحتها الأنهار، وفيها أكْل إنكي من النباتات المحرّمة واللعنة التي انصبّت عليه لفعله هذا، وفيها امرأة تدعى «نين ـ تي» وسمناها «حواء» أو «السيدة التي تحيي» ومعناها كذلك «سيدة الضلع»، وفيها قصة عن الضلع تعدّ المصدر التفسيري لتكوين حواء التوراتية من ضلع آدم، وفيها ذكر للربات اللواتي يلدن من دون ألم أو عناء يوضّح خلفية اللعنة على حواء التي سيكون نصيبها أن تحبل وتلد الأولاد في ألم.
ولكن حتّى هذه الأسطورة وكل الأساطير السومرية لا يمكن أن تعدّ البداية الأولى ذات البكورية بحيث لا تدخل في علاقة تناصّية مع أي نص سابق. وكما قال كريمر: «على أن كتّاب الأساطير السومريين كانوا على العموم الورثة المباشرين للمغنين والزجّالين الأميين من أقدم الأزمان، وكان هدفهم الأول هو تأليف القصائد القصصية عن الآلهة التي من شأنها أن تكون جذابة وملهمة ومسلية». وهكذا فإن الحلقة لا تنتهي.
ولنحاول الآن بعد أن ذكرنا هذين العائقين للحوار، وهما النسبوية والدوغمائية، أن نعود إلى الشرطين اللذين لا بد منهما للحوار.

Pages