الكتاب الحالي "فن الإصغاء" الذي ترجمه إلى اللغة العربية الكاتب والمترجم محمود منقذ الهاشمي، لا يتحدث عن التقنية التحليلية النفسية؛ وفعلاً، ففي رأي فروم، وضد زعم الكتب المدرسية عن التقنية التحليلية
You are here
قراءة كتاب فن الإصغاء
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
من أبرز ما يلاحظه المرء حول انعدام الثقة بالذات على الصعيد العام وجود فريقين يعتقد كل منهما أنه على النقيض من الآخر، وهما يعبّران في الواقع عن الظاهرة ذاتها: يرى أحدهما أن كل الأسباب لعدم تقدّمنا وتحقيق ما نصبو إليه هو الأجنبي الذي لا يدّخر وسعاً لعرقلتنا، في حين يرى الفريق الآخر أننا لا نستطيع أن نحقق ما نصبو إليه بأنفسنا ولا بد من تدخّل الأجنبي لتحقيق مصالحنا. إن كلا الفريقين يتّهم الآخر بشيء، ففريق يقول إن الآخر يجعل الأجنبي مشجباً يعلّق عليه شر، وتكون النتيجة عنده هي تبرئة الأجنبي أو تجاهل أخطاره، وفريق يقول إن الآخر يرضى بالتبعية ولا يؤمن بالوطن وما إلى ذلك ويكتفي بالشجب والشتيمة. ولكن كلا الفريقين يجعل للآخر الأجنبي القوة القاهرة التي لا يمكن لأية إرادة ذاتية أن تقف في وجهها، فإما هي قوة للشر وإما هي قوة للخير. ولا يحاول أي من الفريقين أن يدرس ويناقش القوة الداخلية والاستراتيجية التي نتخذها والأخطاء التي نرتكبها وإمكانية تحسين وضعنا ضمن الظروف الدولية الحاضرة. هل نقوم بأفضل ما في وسعنا؟
وحين يجري نقاش حول قضية من قضايا وجودنا، فإن الخلاف لا يحتدم على الأغلب إلا حول الأمور التي لم تحدث، فهذا يؤكد أن هذا ما سيحدث وذلك يؤكد أن ما سيحدث هو أمر آخر. إنهم لا يناقشون الوقائع وما يمكن أن تدل عليه، ولا يتنازعون على فهم ما يحدث، بل يتنازعون بسبب تباين الأحلام ـ أو حتى الكوابيس ـ التي تستولي عليهم. ولا يحدث الخلاف حول الوقائع إلا إذا تبيّن للحالم أن هذه الواقعة أو تلك تناقض حلمه بما سوف يحدث. ولكن فيما عدا ذلك، فالوقائع لا تهم كثيراً، ولا يجري الخلاف حولها، وكل الأهمية لما لم يحدث ـ للحلم أو الكابوس الذي يعيش فيه المرء. فهم في هذه الحالة لا يقرؤون الواقع، بل يجزمون بحدوث أمور لا يمكن أن يُستمد من الواقع مجرد الإشارة إليها. جلّنا إذن من الناس الذين يصفهم فروم في هذا الكتاب ـ «فن الإصغاء» ـ بأنهم أنصاف إيقاظ وأنصاف نيام. فهم، «ما داموا يعالجون مشكلات وجودهم الإنساني، فهم جهلة. وعندما يعالجون مسائل العمل، فهم يعرفون معرفة جيدة جداً. وعندئذ يعرفون كيف يترأس المرء، وكيف يحتال المرء على الآخرين وعلى نفسه. ولكن عندما يصل الأمر إلى مسألة الحياة فهم أنصاف إيقاظ أو أقل من أنصاف أيقاظ». فترى الناس بأحلامهم يتلاكمون، ولا أحد يصغي إلى الآخر، فجلّهم في حرب ومناجاة داخلية.
فما السبب لعدم الإصغاء؟