You are here

قراءة كتاب في ذكرى رفيق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في ذكرى رفيق

في ذكرى رفيق

كتاب "في ذكرى رفيق" حول تجربة الشاعر الليبي "أحمد رفيق المهدي"، ولد من يكنى بـ ( شاعر الوطن ) ، فى وطن لم يكن وطنا فى زمن الوطن فيه هو الكون .. فى يناير 1898م .

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 3

ما هذه المميزة المقرونة باللحظة البسيطة التى يمسك بها باءلمحية وبتدقيق الناقد يوسف القويرى، وباقتضاب أليست هي ما هوية رفيق التى تكمن فى شعريته والتى تبدو كما نتبين من قراءة يوسف القويرى مقتضبة أيضا وفى الهامش أي فى تهاميش متن رفيق ، أو الديوان فبدأ هذا الهامش يطل بعناد الشعرية ( التى تكشف عن أكثر الحقائق قوة دون أن تكون متأكدة منها ) التى هي صدق الشاعر فى أنه أقرب ما يكون من الآخرين وهو فريسة شياطينه الحميمة ويبدو لنا غارقا كل الغرق فى مكافحته لها أو أنه كما يقول يوسف القويرى : ( الفنان ، هذا الطفل العميق ، النزق القوى الملاحظة ، القادر على النفاذ إلى باطن الأشياء ، الذي لا يكف لحظة عن خلق العالم من جديد ، هذا الفنان القابع فى نفس رفيق اندفع بكليته نحو المياه الجديدة ليسبح فيها ، وبرغم ذلك الالتحام والغوص فإن رفيقا لم يولد مرة ثانية ، لقد ظل الجدار.. ) هو آخر كلام رفيق. وأن هذا الجدار يبرز جليا فى : ان التناقض الذي يكثفه رفيق الشاعر ويكشفه التليسى الناقد هو ما يلمسه الكاتب القويرى ، هو طاقة العصر التى تبدو للشاعر طاقية إخفاء لا تطال !! : حلم مبدد وطاقة مهدورة هو روح دانونزيو ، روح رفيق الشاعر البوهيمى الذي عنده الوطن مسألة من مسائله اليومية ، ولم يكن الشعر عنده شغلا يبحث فيه بل كان يلتقطه كما يلتقط النزوة على الشاطئ أو فى جولة عابرة أوفى اتكاءة فى مقهى( العرودى ) .
لهذا كان رفيق يتلقف الكلام ، الكلام العابر والقضايا اليومية ، وكان يشارك فى القضايا العامة فى شعره وبشعره وهو يلاعب ( النرد ) ، ولهذا تحول الوطن عنده إلى معنى من معان الذات أو حالة معايشة يومية . وصار الشعر وجدانه الفصيح وكان وجدانه عامياشعبيا يعيش اللحظة ، فكان الوجود عنده حسيا يعيش الشاعر فيه على اليومي سواء كان هذا اليومي لحظة سكر أو موقفا وطنيا أو ثقافة مشاعة تمثلت فى شعر شعبي ، أو فيما هو منتشر من أشعار الزهاوى وحافظ إبراهيم الشاعرين اللذين يردد الناس أشعارهما ، حيث الأول صاحب مفاهيم والثاني لسان الناس .
وبهذا يجد رفيق روحه - هذه الروح المتطلعة - فى ارتشاف الحياة والاستمتاع بها ، فالوطن هو سويعات على شاطئ جليانة أو الشاب الذي يلاعب النرد ، فالشعر عنده ما يستمتع بهفى هذه السويعات أو ما يرتشفه هذا الشباب ، ولذا لم ينشغل رفيق بقضايا الشعر بقدر ماأتخذ الشعر مطيته ، فرسه ! الذي دربه على أن يركبه بطريقته بأسلوبه وبنزواته ، فالشعر وسيلته ، وسيلته التحريرية فى التعبير عن الشفوي ، فكان الشاعر الشعبي الذي عاميته الفصحى ، والذي مشاعره حسية وسهلة وسلسة وقريبة قرب نفسه إلى لسانه وما يرتشفه هذا اللسان ، نواسى ومحدث عنده الحياة مذاق وليس معنى ، وهو صياد الشاطئ ولم يكن يتوغل فى أعماق النفس لأن نفسه هي هذا الشاطئ .
وحتى أنه وهو يناجى روحدانونزيو الشاعر النيتشوى كان يناجى روحه المتطلعة إلى ما يوحي به هذا الشاعر من معاني الانطلاق والتحرر ، وإن كان رفيق لا يعرف دانونزيو حق المعرفة فهو كان يعرفه كما يعرف القضايا العامة أو كما يعرف نفسه !، فما يهمه هو الدلالة النفسانية وما يثيره عنده هذا الاسم ، وقد كان رفيق يعيش فى مجتمعه الثقافي الذي فيه من تابع ويتابع وعايش الثقافة الإيطالية إن لم يعش روحها ، و ما يرمزه دانونزيو فى هذه الثقافة التى حتى وإن كانت ثقافة الآخر / المستعمر فإنها فى نفس الوقت ثقافة مجتمع حديث متطور متحرر وقومي وغالب وفى الغالب مآرب لنفس المغلوب ، ثقافة العصر / الحداثة .
ونقرا شعرية رفيق فى هذ القصيدة ، رفيق الذي لم يرث شيخ الشهداء البطل الوطني عمر المختار ! ، ورثى دانونزيو ؛ رثى نفسه ، النفس الشعر ، وإذا كان من رثاه يمجد القوة والروح القومية فإن رفيقا ماثله حيث مجد وطنه ؛ وطن الروح ، وروح المقاومة روحه ، وإذا كان دانونزيو- حتى من خلال المعلومات الأولية - شاعر الحس أو كما أورد الأستاذ خليفة التليسى عن الناقد فلورا : ان داننزيو صوت الإنسانية التى تعنى الجنس والمادة ، فإن رفيقا حسيا حد التصوف والصوفية هذه صوفية جسدانية فليس عنده ثنائية تضادية بين الروح والجسد بل إنها تظل صوفية جسدية تشتمل على الحواس جميعا فهي صوفية لا تنفى الجسد بل ترمى بجذورها فى الجسد ببعدها الشبقى وبغيره وكأن رفيق يقول أن فى كل شعر صوفية ما - فابن الفارض هو أبو نواس ، والروح هي الجسد- وأن المعاناة الشعرية والصوفية هما نفس المعاناة من كل وجه ، ولهذا ففي هذه المرثية يمدح هذه الصوفية التى تمزق الستر . وإن هذه الروح - الجسد - الكبيرة صاحبة نزوات ، رفرفة ، مرح ، وهى روح تجعل الموت وسيلة ومآرب لهذه النزوات حيث شهداء الحب والشعراء.
هكذا يبدو داننزيو عكازا ، عكازا التقطه رفيق من الشائع ليسبغ روحه بالدلالة ! فما داننزيو إلا الروح الوثابة التى تمتطى - أيضا- حصان الموت لتحقيق نزوتها . ووطن رفيق هو هذه الروح ؛ روحه الشاردة الشاذة وروحه الشعرية التى تعيش كل ما هو معط جاهز والذي يتغذى عليه فيكون هو لا أحد غيره .
وبهذا برز وهو الشاعر مشغولا عن الشعر بشعرية الحياة ، من حيث أن الشعرية هي القدرة على الاستمتاع باللذة فربما لذ عذاب لنفوس الشعراء أو كما قال ، لذة المفرد فم الجماعة ، شيطان اللحظة المنغمس حد التلاشي فى لذائذه ، وكأنه متشيعلا أدرى ، مذهبه قورينائىو لقد بنى أعضاء المدرسة القورينائية ، أصحاب مذهب اللذة ، مذهبهم على نظرية المعرفة والأخلاق ، وهى تقوم على الحكم داخل نطاق الانفعالات الباطنية وما يتصل بسلوك الإنسان ،وعلى كل ما يتعلق بما هو جميل . وكان فيلسوفها البارز أرسطيفوس وقف على مستوى يضارع ما وصل إليه أفلاطون ، واحتدمت بينهما المنافسة .
وألف هذا الفيلسوف ثلاث كتب فى تاريخ ليبيا، هذا بالإضافة الى كتب أخرى مثل " فى فسق القدماء" ..) اوكما قال عبد الرحمن بدوي.
وإن رفيقا الخارج بنفسه عن كل شئ ،عن كل قيد يراه هكذا حدث.

Pages