كتاب "في ذكرى رفيق" حول تجربة الشاعر الليبي "أحمد رفيق المهدي"، ولد من يكنى بـ ( شاعر الوطن ) ، فى وطن لم يكن وطنا فى زمن الوطن فيه هو الكون .. فى يناير 1898م .
You are here
قراءة كتاب في ذكرى رفيق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ولـم أكـن أعـرفـه
حسن السوسى
كنت فى سنة1946م فى بلدة الأبيار معلما بمدرسة قروية صغيرة حديثالتعيين ، وكنت بعد انتهاء عملي أعرج أحيانا على المديرية مديرية الناحية، وأقضى بعض الوقت مع السيد المدير ونائبه المرحوم إبراهيم الهونى . المدير رجل إدارة لا يمت الى الأدب أوالشعر بأدنى سبب ، تصله جريدة بنغازى آنذاك فنقرأها سويا ، فى يوم من الأيام قال لى : ان الشاعر الكبير أحمد رفيق المهدوى قد وصل بنغازى من مهجره أو من منفاه ، لم أفهم شيئا : من الشاعر أحمد رفيق المهدوى ؟قال إنه أكبر شاعر! من يهدر بشعره فى تدفق وانطلاق فيستولي على القلوب والألباب ..هذا معنى كلام المدير ، وقال إنه مثل شوقي فى مصر حتى أنه بعث - مرة - بقصيدة إلى ملتقى أو اجتماع فى مصر.. فوجدوها مطابقة لقصيدة شوقي أو هى قريب منها، وتعجبوا أن يكون فى ليبيا مثل هذا الشاعر الكبير ولا يعرفونه ! .
قلت - وكنت مازلت فى بداياتي الأولى فى كتابة الشعر- أنا لم أسمع به أبدا .. قال إنك ستراه وسوف يعجبك …بعدها كنت أتردد على بنغازى فوجدت ذلك الرجل الذى حدثني عنه المدير جالسا بمقهىالعرودى ومن حوله هالة من مريديه ، فأحي من بعيد حيث لا أعرف أحدا منهم ، ثم إنى كنت أرى نفسي صغيرا : أنا مجرد شاب مهتم بالشعر .. يحفظه .. يحاول تقليد الآخرين فى النظم ..من أنا حتى أتقرب من أحمد رفيق أو أجالسه إن الفرق شاسع بيني وبينه كذلك السن والثقافة .. كنت فى بداية الطريق وهو فى القمة .
بعد عودته بأقل من شهر قرأنا فى الجريدة قصيدته الأولى : " إذا ذهب الحمار بأم عمرو " ، ثم توالت قصائده الرائعة .. ومن أوليات تلك القصائد قصائده مع الشاعر المرحوم محمد عبد القادر الحصادى الموز التى بدأت مداعبة وانتهت مشادة ومهاترة … وتوالت القصائد الناقدة لكثير من التجاوزات من المسؤولين مثل سرقة العيد واحتكار الفحم والحطب .. وغيرها.كنا نتلقف هذه القصائد ونعجب بها وكذلك قصائده فى مهرجان شوقي وفى مهرجان المتنبي اللذين أقيما بمعهد المعلمين آنذاك.
وكانت قصائد هذه الفترة أكثرها انتقادية وسياسية ، وحين نقارنها بقصائده فى الفترة السابقة نجد ان القصائد الأولى كانت أكثر حرارة مثل قصيدة الوداع و رحيلىعنك كانت قمة فى الصدق والجودة وقصيدة معاهد لبلادي تحسر على مغادرة وطنه وتشوق وحنين .
وفى إحدى المرات - ربما سنة 1952م - زار الشاعر أحمد رفيق بلدة الأبيار ونزل بمنزل والد الأستاذ الشاعر راشد الزبير وأعمامه .. وكان قد حضر إلى الأبيار فى عمل خاص يتعلق بإرث لإحدى قريباته ربما زوجة المرحوم عمر فخري ، هذا الإرث هو : (بئر سماء ) آي صهريج لتجميع ماء المطر .. وكان بأرض إحدى قبائل الأبيار ، وقد وكل بشأنه بعض الناس لغرض بيع الماءفى الصيف لأصحاب المواشي ؛ وكان هذا شئ مألوف .. والى الآن .
هنا عرفته عن قرب وجالسته وتناولنا الطعام سويا . ومكث الأبيار يومين على ما أظن ، وكان بصحبته شخص آخر هو السيد عبد الحفيظ الخازمى صديقه .. بعد ذلك جلست إليه بمقهى البركة أمام مركز البركة ببنغازي ، فى ذلك الوقت شربت معه القهوة عرفني من قريب بعد زيارة الأبيار ، قبلها لم يكن يعرفني ، كنت أقابله فى شارع عمر المختار أو سوق الجريد فأحييه من بعيد ....
مرة وصلتني قصيدة منه وقد نسيت الذى أوصلهاالى ، كانت قصيدة غزلية مطلعها :
تغطرس ما يكلمنا … فما أسباب غضبته ؟ ..
ومعها معارضة لها من الشاعر المرحوم حسين الغناى .. والذي أوصلها الى يطلب منى معارضتها أيضا بطلب من صاحبها ، لم أعارضها ولكنني مططتها بمعنى أنى زدت عليها أبياتا ، 20 عشرون بيتا مزجتها بأبيات القصيدة الأصلية ، وبعثت بها إلى الشاعر وكان فى طرابلس ومعها مقطوعة عنوانها المنديل وبعد فترة وصلتني رسالة من الشاعر يبدى إعجابه بما كتبت ويقول : إنه قد نسخها على الآلة ووزعها على أصدقائه فى طرابلس ويطلب منى عدم ادعائها لأنها صارت له .. أعرف أن هذا كلام للتشجيع فقط والرسالة موجودة، وبعث لى بشطرة بيت طلب منى إتمامها .
ان رفيق قيمة أدبية ووطنية كبيرة ، صحيح أنه لم يكن بداية فى الشعر فى ليبيا فقبله بن زكرى والبارونى .. وغيرهم ولكنه يعتبر الشاعر الأكبر .. حتى الآن .
إنه أثرى الشعر الليبي بوطنياته وحنينه ونقده .. وجرأته التى لا تهاب أحدا فى الحق ، وحتى أنه فى شعره الإنساني كان رائدا فقد رثى الإيطاليين : داننزيو و ماركونى .. وغيرهما ، لم يكن متعصبا ولا متحامل أو مجاملا ، ولكنه كان شاعرا ، شاعرا يضع كل شئ فى مكانه الصحيح حسب رؤيته ….رحم الله رفيقا فقد أثرى ونشر الشعر الليبيى وعرف به وسيبقى خالدابشعره الرائع وبشيء آخر غير شعره هو مواقفه السياسية والوطنية والقومية التى هى قوام شعره ومادته .


