تسلقت تلك الأسوار المشيدة من الألم والمرصوفة بالآهات... اقتحمتها حاملاً قلماً حبره الصدق وريشته الأمان... تداخلت بين ردهات الأسرار... فتشت في صفحات العذاب... تعمقت في جنبات الغموض.. أبحرت في شطآن الوضوح... حاورتهم بقلب حان...
You are here
قراءة كتاب أسرار خلف الأسوار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
لم أعلم بأن هذه الكلمة سيكون صداها عشرين عاماً من العناء... وفعلاً كانت تذكرة الدخول لا إلى العالم الفسيح الذي أوهمنا به سامي ولكنها كانت تذكرة للدخول إلى عالم الضياع والترحال في مستنقعاته! كنت وقتئذ ابن التسعة عشر عاماً وفي ذلك اليوم المشؤوم رجعت إلى المنزل وفي طريقي كنت بين رحى افكاري وهواجسي، تشدني يمنة وتلقفني يسرة في كيفية الاستقبال الذي سوف أجده بين أسرتي، حيث كنت خائفاً قلقاً بأن يفتضح أمري، ومن هو الذي سوف يهل على جسمي سياطه قبل الجميع ومن سوف يتفوه بالعبارات ويحرك (الاسطوانة) المعتادة التي تحمل الاهانات والشتائم! فوجئت بما جرى.... لم يشعروا بشيء بل بالعكس أسعدتهم خفة دمي التي أظهرتها بصورة واضحة، مما جعلهم يطلقون الضحكات وأدخلت الأسرة في أجواء السرور والمرح مما دفعني إلى أن أدخن «الحشيش» باستمرار وبعد أن أجبرنا ذلك الذي ارتدى ثوب الصديق على دفع المال من أجل الشراء ولم يقف عند هذا الحد بل أرغمنا على التعرف على من يبيعون تلك «السموم» وبدأت رحلة العناء والشقاء إلى أن أصبح المال عقبة في الطريق إلى هذه النشوة القاتلة.. تعمقت في التفكير للوصول إلى منفذ لدخل ثابت.. قررت أن أعمل وبدأت رحلة البحث عن عمل أجد فيه نفسي وأحقق أحلامي وما أصبو إليه وبعد أن أضناني تعب البحث وجدت مرادي ومطلبي في إحدى الدوائر الحكومية وخلال فترة قصيرة من الزمن تدرجت إلى أن توليت منصباً حساساً نوعاً ما في تلك الدائرة ولكن الدخل المالي من راتبها لم يعد يكفي لمتطلبات حياة الضياع.... حياة الإدمان، فكرت في زيادة دخلي ولم أجد سوى اتباع الطرق المشبوهة... أصبحت أتقاضى رشى وهبات وأتحايل على البعض من خلال موقعي الوظيفي وجنيت مبالغ طائلة ومن بعدها أغدقت على من حولي بالمال والهدايا، والجزء الأكبر كان لشراء الحشيش فتغير حال الجميع ممن يعرفني وأصبحوا يتنافسون جاهدين لكسب ودي..... كانت نساء الحي يأتين إلى أمي من اجل إيجاد الحلول والتدخلات «الواسطة» لأزواجهن وأولادهن من خلال وظيفتي مما زاد من قدري في محيط أسرتي وعلا شأني عند من حولي... أشار عليّ والدي بالزواج لأنه أصبح بمقدوري أن أفتح بيتاً وأن أكون رجلاً يعول أسرة، استهوتني هذة الفكرة وأنبت نفسي لماذا لم أفكر فيها من قبل؟ فهي الملاذ الوحيد والمكان الآمن عكس ماهو الحال في منزل أسرتي، ولأستمتع بحريتي مع معشوقتي... ونديمتي سيجارة الحشيش التي يتعاظم ولعي بها يوماً بعد آخر، فكرت في أنه لابد من أن استغل هذا الزواج بشكل صحيح بما يرضي غروري ويرد لي اعتباري، قررت أن أتزوج بنت خالي التي كان جميع أفراد الأسرة يعلمون أنها زوجة المستقبل لأخي فيصل منذ زمن الطفولة كما جرت عليه العادة في محيطي، وأصررت على الزواج بها لأصفع بذلك أخي وأرد له بعضاً من صفعاته القديمة...... ولأبرهن للجميع وأولهم أخي بأنني أفضل منه، أخذت أقنع خالي (أبو العروس) وأغريته بالخدمات والتسهيلات التي كان يحتاج إليها من تلك الدائرة التي كنت أعمل فيها وفعلاً استطعت، وطالت محاولات الإقناع تلك والدتي أيضاً بضرورة تزوجي بنت خالي لأن فيصل سوف يمضي مشواراً طويلاً في التعليم وأنا الآن جاهز للزواج ومتطلباته وبعد عدة محاولات اقتنع الجميع وتزوجت ابنة خالي وفزت بها ولكني لم أدرك بأنني خسرت نفسي قبل أن أخسر أخي.
انتقلت إلى بيت الزوجية، كانت زوجتي تصغرني كثيراً في السن وكنت في بداية زواجنا أحاول أن أخفي عنها تعاطيّ الحشيش ومع مرور الأيام تطورت الأوضاع وأصبحت أدخن الحشيش علانية في المنزل، وفي تلك الأثناء استقلت من عملي لوضعي في مكان أقل أهمية وكان ذلك عقاباً من رؤسائي في العمل نتيجة إهمالي وغيابي المتكرر والأهم هو سلوكي الادماني الواضح ناهيك عن السمعة التي كنت أحظى بها والتي يعلم بها الداني قبل القاصي، لم أستطع توفير تلك النقود التي كنت أحصل عليها بالطرق غير الشرعيّة في مركزي السابق في تلك الدائرة، بقيت لفترة طويلة في المنزل بلا عمل إلى أن حصلت على وظيفة في دائرة أخرى وبراتب لا بأس به، استمررت في العمل وانضممت إلى صحبة من أهل « المزاج والكيف» أو بالأحرى أهل الضياع والشتات!! في ذلك العمل، لم أكن أفكر في التدرج الوظيفي أو في الإبداع المهني أو الابتكار أو حتى تطوير مهاراتي الوظيفية، بل كان همّي الأوحد هو كيفية الوصول إلى كنز يغنيني مثلما كان هو الحال في وظيفتي السابقة والبحث عن الدجاجة التي تبيض ذهباً من اجل شراء الحشيش... بعد جهد مضنٍ وتفكير عميق وجدت ضالتي وأصبحت أجني مبالغ هائلة بالنصب والاحتيال في تلك الوظيفة، وكان ما يميز رفقة الضياع هؤلاء أنهم من هواة السفر إلى الخارج والتنقيب عن المعالم السياحية ولكن بالمفهوم الذي تختزله عقولهم ويوافق تفكيرهم، فهم ليسوا من هواة زيارة المتاحف أو الآثار القديمة أو المعالم الجمالية أو الاستمتاع بالطبيعة الخلابة وجمالها الساحر أو استنشاق نسمات البحر على الشواطئ الذهبية الفاتنة، بل إن مفاهيم السياحة في قاموسهم هي الجهة التي يتوافر فيها المخدر من عدمه والأمور المرتبطة بذلك!!!
أوقعوني في تلك الشباك، وأصبحت دائم السفر معهم وبعد العديد من رحلات الاستكشاف ومغامرات الترحال تلك استقر بنا الحال في بلد عربي وامتلكنا بها مسكناً ومقراً لنا شقة في أرقى الاحياء، وأصبحنا نسافر إلى ذلك البلد في إجازة نهاية الأسبوع، حيث كانت تقلع بنا الطائرة يوم الأربعاء ظهراً وتهبط بنا مساء الجمعة في مطار المدينة التي نسكنها، وكان كل من حولي يتساءل عن تغيبي المستمر وسفري المتكرر وكنت أوهمهم بأنها جزء من مهام العمل تتطلب السفر، وكنت أحرص على إحضار بعض الخطابات المزورة وخصوصاً لزوجتي حتى أبعد عني الشبهات أو علامات الاستفهام أو حتى سوء الظن بالسفر المتكرر.
استمر هذا الحال سنوات عديدة إلى أن جاء يوم ونحن نتسامر في منزل احد الأصدقاء للعب الورق وتعاطي الحشيش الذي أصبح بشكل يومي..... لم يأت الشخص الذي أوكلنا إليه مهمة جلب «الحشيش» بحجة أنه لم يجد المروج (البياع) وكان من بين الموجودين في الجلسة شخص يتعاطى الهيرويين منهمكاً في لف المسحوق في «قصدير» وبعد ان فرغ من عملية الإعداد لهذا السم أخذ يغري به جميع الجالسين بحجة التغيير وإمضاء تلك الليلة وانه سيكون أفضل من الحشيش!! في بداية الأمر رفضت ذلك بإصرار ولكني بعد ساعة من الزمن اندهشت من أصدقائي الذين تعاطوا معه الهيرويين لما اعتراهم من انشراح وسعادة واضحة فقررت أن أجربه فقط وأخذت منه نفساً قوياً أحسست بعدها بصوت خفي يردد في داخلي ويخترق خلجات صدري هاتفاً:
- أهلاً بك في نشوتك الحقيقية...