You are here

قراءة كتاب أسرار خلف الأسوار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار خلف الأسوار

أسرار خلف الأسوار

تسلقت تلك الأسوار المشيدة من الألم والمرصوفة بالآهات... اقتحمتها حاملاً قلماً حبره الصدق وريشته الأمان... تداخلت بين ردهات الأسرار... فتشت في صفحات العذاب... تعمقت في جنبات الغموض.. أبحرت في شطآن الوضوح... حاورتهم بقلب حان...

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

من هنا بدأت الرحلة الحقيقية للعناء... انفتحت أبواب أخرى للشقاء أصبحت مدمن هيرويين... نعم مدمناً تلك المادة اللعينة وأسيراً لنشوتها الزائفه،ومن حينها كبرت وتعددت المشاكل وأصبحت تتوالى الواحدة بعد الأخرى وتتراكم المصائب مصيبة تعلوها مصيبة ومع مرور الايام واحتياجي الشديد إلى المال والحال الرثة التي تعتريني ويراها كل من يقع ناظراه على شخصي من هندام بالٍ.. جسم ناحل.. ذقن مخشوشن غير مرتب.. عرق يتصبب وشرود دائم.. اختلست من عملي الكثير من الأموال التي بعهدتي واقترضت من هنا وهناك بحجج واهية باطلة ومع تطور واستمرار هذا الحال انكشف أمري في عملي وتم إنهاء خدماتي وفصلي وتلكم كانت قاصمة الظهر وازداد السوء كيلاً.
كنت أعيش في معركة دائمة خلفت مستنقعاً من الدم الذي ينزف مني تارة وممن حولي تارة أخرى وكان سيفي في تلك المعركة هو الهيرويين! غدوت نعشاً يعيش بين الأحياء... تحولت وحشاً كاسراً على من حولي... في أحد الأيام كنت بحاجة ماسة إلى المال من أجل شراء المخدر وبعد أن أنهكني التعب من جراء البحث بدون جدوى.. تعبت من البحث... تعبت من الألم.... تعبت من التعب! ولم أجد أمام عيني سوى يد زوجتي التي كانت تتحلى ببعض الذهب وتحتفظ به من مهرها، لم تكن تتزين أو تتباهى به كما تفعل بنات جنسها، فهي لم تعد كأولئك النساء بل أصبحت محاربة ناعمة.. تحارب من أجل أن ينعم أولادها بالحياة.. محاربة لهمومها.. محاربة لقسوة الزمن... محاربة للهيرويين.. وإنما كانت ترتديه خوفاً من أن أسرقه أسوة بممتلكات المنزل التي ذهبت في مهب الريح واختفت وتوارت عن الانظار بعد أن وقع ناظري عليها! في تلك الأثناء انقضضت عليها ورفعت يديها وجئت بحبل غليظ وسمرتها إلى الحائط وربطها لآمن تحركاتها ومحاولة فرارها وهي تستغيث وتدمع الدم والألم معاً وأتيت بآلة حادة وكسرت ما بيدها من ذهب وأخذته ولم اكتفِ بذلك بل أشبعتها ضرباً وشتماً وإهانة لأنها لم تساعدني ولم تقف بجواري وتؤازرني في محنتي... غريب انا!
قررت وبمساعدة جادة ومتفانية من أحد أخوتي أن أتعالج قبل أن تسوء حالتي أكثر....... سافرت إلى إحدى الدول العربية ومكثت هناك أسبوعاً في مصحّ لعلاج الإدمان وأحسست بالشفاء وأن الحياة تدب وتغزو عروقي من جديد، ومن قبل ذلك بدأت تتسرب إلى تفكيري وعقلي الذي أُعطب منذ زمن! وقررت العودة سريعاً إلى بيتي وأسرتي ولكن ما إن وطئت قدماي المطار حتى أحسست بتلك الآلام المعتادة التي تعتريني عند انقطاعي عن تلك المادة أو ما يسمى بالاعراض الانسحابية وظننت أن آلامي ومتاعبي كانت في استقبالي بكل حفاوة على ارض المطار، وأن فرحة العودة إلى انسانيتي تلاشت وذهبت بعيداً عند آخر درجة في سلم النزول من الطائرة... عند خروجي من صالة المطار توجهت مسرعاً إلى «المروج» وأخذت منه جرعة هيرويين بعدها ذهبت إلى منزل أسرتي وعدت إلى سابق عهدي.. انغمست في قاع الوحل مرة أخرى حتى قبض علي بتهمة التعاطي.. عشت حياة السجن أكون فيها علاقات متينة وصداقات وطيدة مع كل من هو في هذا الوحل، لم يكن يؤرقني سوى أوقات الزيارة عندما أرى أبي الطاعن في السن وأمي المريضة وزوجتي الحامل وهم يقفون في «الطابور» ذلك الصف المزدحم بالزوار ويتلقون المضايقات من كل جانب ويكفيهم من الألم تدنيس كرامتهم وانكسار كبريائهم التي انتثرت على امتداد تلك الصفوف، لمجرد دخولهم إلى هذا المكان.. خرجت من السجن مشمولاً بالعفو واستنشقت الهواء خارج أسوار السجن، طرقت باب المروج قبل أن أرى باب منزلنا وتعاطيت جرعة الهيرويين في منزله ثم توجهت إلى المنزل وعندما رأتني زوجتي همست في أذني:
- أنت طالع من السجن والا جاي من عند أصحابك! ؟
لأنها شاهدت الملامح التي تعتريني من جراء التعاطي وقبل ذلك إحساسها الصادق ومعرفتها بشريك الزوجية!
بعد تلك الحقبة من الزمن..... انتقلت أنا وزوجتي وابنائي للعيش في منزل والدي الشعبي المتواضع، كنت وزوجتي وأبنائي ننام في غرفة واحدة لا يزيد طولها على ثلاثة أمتار ويبلغ عرضها حوالى ثلاثة أمتار أيضاً ولك أن تتخيل كيف ننام أنا وزوجتي وعشرة أبناء في مكان واحد بتلك الحجوم السابقة!!! لم يكن أبنائي يهنأون حتى في نومهم حيث اختطفت منهم راحتهم البريئة.. سرقت منهم أحلامهم الصغيرة...... وكأنهم يعيشون في معتقل.. نعم إنه أشبه بالمعتقل.. معتقل الإدمان.. لم يكن يستطيع أحد منهم أن يمد قدميه أثناء نومه إلا بصعوبة بالغة وإن مدّهما اصطدم بأحد أخوته أو بالحائط، وفي فترة الإجازة الصيفية يتناوبون على النوم ليس من أجل السهر كأقرانهم في ليالي الصيف السامرة... بل للحد من الارتطام أثناء النوم، وبعد فترة من الزمن ليست بالقصيرة قرر والدي وأخوتي أن يجدوا مسكناً مناسباً لتلك الأسرة المغلوب على أمرها التي يفترض أن أكون أنا من يدير شؤونها! وفعلاً تحقق المراد مرة أخرى وأصبحت أكثر حرية وانطلاقاً مما كنت عليه في منزل والدي.... كنت أنا الرابح الوحيد في ذلك المسكن، حيث أعلنت الحرمان على أسرتي من جميع مقومات الحياة الأساسية أو لتقل الحياة الإنسانية، أصبحوا وكأنهم يعيشون في العصر الحجري.. لم أترك شيئاً ذا قيمة إلا بعته بأبخس الأثمان، حتى زوجتي إذا أرادت أن تملأ فراغ معدة أبنائها الصغار وتسكت تلك الأفواه الجائعة كانت « تطبخ» على الموقد ذي الفتيل... وهو ما بقي في المنزل (لأني لم أجد من يشتريه باعتباره تراثياً ولا يستخدمه أحد في هذا الزمن). تضع ذلك الموقد أمام باب المنزل لتستطيع رؤية ما بداخله في سواد الليل الحالك وظلمات الجور وعتمات القهر من خلال النور الذي تختلسه من أضواء الحي التي تنير الشارع وخصوصاً عندما تعد وجبة العشاء.

Pages