تسلقت تلك الأسوار المشيدة من الألم والمرصوفة بالآهات... اقتحمتها حاملاً قلماً حبره الصدق وريشته الأمان... تداخلت بين ردهات الأسرار... فتشت في صفحات العذاب... تعمقت في جنبات الغموض.. أبحرت في شطآن الوضوح... حاورتهم بقلب حان...
You are here
قراءة كتاب أسرار خلف الأسوار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
ذكرت ذلك لأبين المقياس الأوحد في حياتي الذي يغلب على تصرفاتي هو العيب، ولكن ليس الذي يتعارف عليه جميع أفراد المجتمع والسائد بينهم وإنما العيب الذي هو عرف بين أوساط المدمنين، لم يكن للحلال والحرام مقاييس أو اعتبارات في تصرفاتي.. بعد أن انتهينا من الحديث، صديقي وأنا، توجهت إلى غرفة الجلوس وأمرت الفتاة بارتداء حجابها الذي خدشنا حياءه، وأجبرت صديقي بأن يوصلها إلى منزلها لنصلح العيب الذي اقترفته في حق صديقنا وسميرنا!!!.
هناك الكثير من الوقائع وأحداث الاغتصاب والإكراه ولم يكن ينجو منها إلا من ينالها منحة عيب.. عيب نحن من نحدد معالمه في ظل مفاهيم الضياع!
كان لدي طقوس غريبة كنت أهوى تعاطي المسكرات خصوصاً في المقابر المهجورة البعيدة عن الأحياء وألح على أصدقائي في التردد إليها.. كنت أقوم بنبش القبور القديمة وأبعثرها.. أرفع الجثث منها وكانت المتعة الحقيقية تكمن في أن أبحث عن جماجم الموتى وألعب بها كرة قدم مع أصدقائي ونحن في أشد حالات سكرتنا!!! كان هناك قاسم مشترك بيني وبين من ألعب بجماجمهم وقد قضوا نحبهم ونزلت بهم صرعة الموت... هو الفراق... هم فارقوا الحياة وأنا فارقت انسانيتي.
دخلت السجن مرات ومرات بجرائم متعددة... ووحشية واحده... كنت أحس بنوع من الغربة خارج السجن!! كانت تنتابني لحظات الحنين إلى السجن وقد دخلت مستشفيات الأمل أكثر من عشر مرات وكانت أهدافي خفية وراء هذا الدخول لم يكن في أجندتي العلاج من هذه السموم... لم يكن التعافي من المخدرات في حسباني، لم يسطر مصطلحا التعافي والعلاج في قاموسي.
وفي ليلة كلها غيوم تطغى عليها الهموم... ليلة ظلماً في نورها ولكنني أحسست بأنها ذات أنوار مشعة لأنها كانت التحول في مسار حياتي، وجدت نفسي في الشارع.. وحتى الشارع لو لديه مقدرة لطردني منه..... أصبت بجلطة قوية في قدمي اليمنى نتيجة جرعة زائدة من مادة الهيرويين المخدر... كنت برفقة من أدخلتهم حياتي عبر بوابة الصداقة التي تشرع لمن يشاركني في نشوتي في هذا العالم، أغمي عليّ وشكوا بأنه حل أصدق المواعيد وفارقت الحياة ولخوفهم من الملاحقة القانونية قذفوا بي إلى قارعة الطريق، أخذت أصيح من الألم وأصرخ في من كنت أظنهم أصدقائي..
- أنا الزعيم.. أنا الزعيم..
لم تحرك صعقاتي فيهم ساكناً، ولم يجب عن آهات صرخاتي تلك إلا صدى حروفي التي أطلقتها.. أيقنت أن هؤلاء هم أصحاب أنفسهم فقط.. هم أصدقاء مزاجهم الواهم.. هم رفقاء إدمانهم.. وأنني في وسط أشبه بالغابة الملأى بالوحوش المفترسة ينهش بعضها بعضاً ولكن الفرق في الغابة أن مصدر هذة الوحشية لأجل أن تأكل لتعيش أما هؤلاء فإن وحشيتهم من أجل الحصول على المخدر ليموتوا!!!... أخذت أفكر إلى أين أذهب؟ والى أيّ مكان أقصد؟ وأنا أصارع حيرتي من جهة وألمي من جهة أخرى.. لم أرَ أمامي إلا مستشفى الأمل.. أخذت أسير تارة وأزحف تارة إلى أن وصلت قرب مدخل المستشفى ولم أستطع أن أكمل زحفي فدخلت في حالة إغماء.. صحوت بعد تسعة أيام «عرفت ذلك لاحقاً» صحوت وأنا على سرير ابيض انتابتني مشاعر غريبة.. اعترتني أحاسيس عجيبة وأنا على سريري في مستشفى الأمل.. أحسست أنني على سرير التعافي.. وأنني في بداية حياة جديدة من هذا المكان.. مستشفى الأمل الذي أضاء شمعة حياتي التي أطفأتها المخدرات والذي له بعد الله سبحانه وتعالى الفضل في عودتي إلى طريق الحق والصواب وإظهار إنسانيتي التي أخفى معالمها الإدمان.. جاءتني رسائل وجدانية وهتافات داخلية وأصوات عالية أكملت برنامج علاجي الذي استمر أكثر من سنة.. لماذا مكثت كل هذه المدة في المستشفى؟ تساءلت مراراً، لكنني أيقنت بأنها إرادة الخالق لكي أرجع إلى الطريق الصحيح والسلوك القويم... لم أعرف في حياتي فيما سبق عن رمضان إلا أنه يقلب يوميات الناس رأساً على عقب.. ينامون صباحاً ويسهرون مساءً وتختلف أوقات وجباتهم إضافة إلى امتياز تلك الوجبات ببعض المأكولات والمشروبات، هذا ما كنت أعرفه عن ذلك الشهر الفضيل.. صمت رمضان أول مرة في حياتي وكان عمري وقتئذ تسعاً وثلاثين سنة.. كان الأذان يدوي كل يوم في أذني خلال سني حياتي السابقة والآن أسمع الأذان بقلبي واستشعره بوجداني.. لم أصلّ في حياتي السابقة برغم تعاقب الفصول علي ثماني وثلاثين سنة خلت فريضة واحدة حافظت على صلاتي منذ تلك السنة من صيامي وأحرص على السنن أيضاً.. تغير سلوكي.. استقام خلقي.. بكيت على فراق ولديّ.. ندمت أشد الندم على ما فرطت في حياتي.. تبت توبة نصوحاً.. اتجهت إلى إكمال تعليمي النظامي.. أخذت أعكف على تلاوة القرآن الكريم وحفظه.. أبحرت في تعلم وتشرب شتى العلوم الشرعية.. سلكت طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.. تزوجت زوجة صالحة ومربية أجيال.. أصبحت زوجاً عطوفاً.. وأباً حنوناً.. والأهم أنني أصبحت إنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان جميلة.. وخصال حميدة.. وصفات نبيلة.. نعم إنساناً بحق.