تسلقت تلك الأسوار المشيدة من الألم والمرصوفة بالآهات... اقتحمتها حاملاً قلماً حبره الصدق وريشته الأمان... تداخلت بين ردهات الأسرار... فتشت في صفحات العذاب... تعمقت في جنبات الغموض.. أبحرت في شطآن الوضوح... حاورتهم بقلب حان...
You are here
قراءة كتاب أسرار خلف الأسوار
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أخذوا يفتشوننا تفتيشاً دقيقاً أديب وأنا في ذهول عجيب... صاح بي أحد أولئك الأفراد:
- فين وديتها أحنا من الصباح مراقبينكم وشفنا كل شي.. فينها خرجها..
واجتهدوا يبحثون في كل مكان حولنا ولم يجدوها وبعدها تركونا ومضوا، ظننت أن أديب ألقى بها من يده.... (لأنني وضعتها في يده عندما تمت مداهمتنا)..... أو أن أحد أفراد المكافحة الذي قام بتفتيش أديب وجدها وأراد أن يعفو عنا رأفة بأديب وإحساسه بالألم لما رآه من تعذيب للطفولة وإقحامها في هذا الفعل الخالي من أدنى مشاعر الإنسانية... في طريقي إلى المنزل لم أتفوه بكلمة واحدة لأديب ولم يدر في خلدي سوى كلمات ذلك الرجل من أفراد المكافحة التي يقع صداها في قلبي وتجلجل داخل صدري قبل أن تدوي في أذني:
- حرام عليك.. حرام عليك.. اتق الله.. خاف الله.. حرام عليك مو علشانك علشان الولد الصغير هذا.. حرام عليك.. حرام عليك.
وصلنا إلى المنزل وأنا في غاية الانكسار وقمة الهم، تعجبت زوجتي من دخولي الساكن الذي لم تعتده وعندما سألت أديب أجابها بعبارات تعتريها طفولة معذبة:
- مسكونا اليوم الحكومة وفتشونا.
وما هي إلا لحظات وأنا في حالتي تلك إذا بأديب من خلفي وأنا جالس ويطبطب على كتفي ويقول:
- خذ يا بويه.. من يأخذها مني؟.. أنا كنت ماسك عليها بيدي بقوة وما أحد شافها؟.. أنا ولدك.. خذ روق يا بويه.. خذ الدواء حقك... ولا تزعل أنا ما خليتهم يأخذوها.. علشان لا تزعل ما أخذوها شوفها معي..... لا تزعل.
ومد بيده الكيس المملوء بالهيرويين الذي أخذنه من عند ذلك التاجر « المروج».
ازداد ألمي اتساعاً وحزني حرقةً وأسفاً على فلذة كبدي على التربية التي غرستها في ذلك الطفل.. وأخذت أتساءل:
- أهذا كلام وفعل يصدر من طفل لوالده؟ أهذا ما سأزرعه في أطفالي! فيا ترى ماذا سأحصد غداً؟
وبدون سابق إنذار اتخذت القرار وعقدت العزيمة الصادقة........ قلت لزوجتي بصوت تخنقه العبرة الدامعة:
- أنا رايح أتعالج.. خلاص تعبت.. أنا رايح المستشفى.. ولكن ما عندي فلوس المواصلات.
نهضت زوجتي واقفة أمامي ودموعها تسابق ضحكاتها من وقع سمع الخبر... وقالت وهي تمسح دموعها:
- بس.. حق المواصلات.. ابشر ذحين اجيبه.
ذهبت مسرعة إلى جارتها وطرقت عليها الباب طرقات قوية سمعتها وأنا في حجرتي وقالت لها:
- أبشرك ابو عيالي رايح يتعالج.. وراح يبطل من البلاوي إلى يشربها... بس أبغي حق مشواره للمستشفى... خلاص ابشرك زوجي بيروح المستشفى.
زاد ذلك الموقف من جراحي وانغرس باقي الرمح في قلبي. ألهذا الحد لا تملك تلك الريالات وتذهب لاستجدائها من جارتها؟
ذهبت إلى مستشفى الأمل المتخصص في علاج الإدمان.. تحديت نفسي.. واجهت ألمي.. مسحت دموعي.. ظللت في المستشفى ما يقارب السنتين، أحسست بالألم... شعرت بالأوجاع في أيام عشتها في حياتي الخالية.. وأيامي الخاوية حيث كنت أعيش في هذه الدنيا كجسد خاو بلا روح...
وبعد خروجي من الأمل... أبصرت الأمل... عشت الأمل... ذقت طعم الحياة الكريمة... أدركت قيمة الإنسانية... أيقنت معنى أن تكون زوجاً... استشعرت كلمة أب...
والآن سخّرت نفسي في مساعدة كل من وقع في شرك تلك السموم وانغمس في وحلها وأفتح لهم قلبي قبل يدي حيث أصبحت أعمل مرشداً للتعافي في مستشفى الأمل....... أصبحت فخوراً بكل من حولي... وكل من حولي فخورون بي.