You are here

قراءة كتاب أسرار خلف الأسوار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسرار خلف الأسوار

أسرار خلف الأسوار

تسلقت تلك الأسوار المشيدة من الألم والمرصوفة بالآهات... اقتحمتها حاملاً قلماً حبره الصدق وريشته الأمان... تداخلت بين ردهات الأسرار... فتشت في صفحات العذاب... تعمقت في جنبات الغموض.. أبحرت في شطآن الوضوح... حاورتهم بقلب حان...

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
المؤلف:
الصفحة رقم: 7

لاعب المقابر!

سبعة وعشرون عاماً عمر الألم.. سبعة وعشرون عاماً زمن العذاب... سبعة وعشرون عاماً حياة الضياع... سبعة وعشرون عاماً نزف للجراح... سبعة وعشرون عاماً مقدار موت الإنسانية... سبعة وعشرون عاماً حبيس الإدمان... نعم.. إنها سبعة وعشرون عاماً قضيتها في تعاطي المخدرات والمسكرات عشتها متنقلاً في دهاليزها المشعة بالظلام التي كانت مرتعاً خصباً لحياة قذرة... كنت الفتى المدلل في محيط أسرتي حيث أنني آخر العنقود لثلاثة من الأولاد واثنتين من البنات وكان الفرق العمري بيني وبين أخي الذي يكبرني مباشرة ما يقارب التسع سنوات... من هذا الباب سوف أدخل إلى معاناتي وأسرد قصتي، إن الفرق العمري الكبير بيني وبين أخوتي كان له دور في تشكيل مسار حياتي، عند بلوغي سن التاسعة كان والدي على قيد الحياة ولكن التربية والسلطة الفعلية كان زمامهما في يد أخي الاكبر احمد الذي كان عمره وقتئذ ما يقارب العشرين عاماً، وبحكم كبر سن والدي لم يكن يقدم لي التوجيه والنصح والإرشاد او حتى العقاب وكل ما كان يقدمه الحماية من إخوتي إذا أراد أحد منهم التعدي علي لفظاً أو فعلاً حتى لو كنت قد ارتكبت خطأً يتفق الجميع فيه على استحقاقي العقاب.
تجاوز والدي السبعين من عمره ووالدتي تصغره بسنوات يسيرة، هي الأخرى نهجت نهج ابي كانت تقوم بالمهمة نفسها في غياب والدي وهي الحماية ولكنها قد تتنصل من مهمتها وتتحول إلى الشتم والعقاب البدني أحياناً حيث أنها كانت تضرب وبقسوة بالغة وتوبخني اذا ارتكبت ما يستحق العقاب ولكنها كانت لا تفرق في المقدار الذي أستحقه من عقاب جراء ما فعلت حيث كانت تضربني ضرباً مبرّحاً ولا تهدأ إلا عندما تسيل قطرات دمائي حينها تشعر أنها بالغت في ضربي وبعدها تتوقف وتجتهد في المحاولات الجادة لوقف هذا النزف بالكثير من الدلال وتقديم الهدايا والعطايا من أجل إرضائي... عشت طفولة ممزوجة بدلال مفرط ونقيضه في الوقت نفسه بالعقاب الجائر! ولكن يغلب الدلال المفرط من قبل جميع أفراد أسرتي إلا من أخي احمد الذي عهد اليه والدي في دور الأب وتدبر شأني وذلك تبعاً للظروف التي سقتها آنفاً.. ظهرت بوادر العدوانية منذ نعومة أظفاري على شخصيتي، وايضاً أحببت السيطرة والتملك، ونمّت أسرتي ذلك بطرائق غير مباشرة.. كنت أتعدى بالضرب المبرّح على رفقاء صفي وأبناء الحي الذي نقطنه وأستغل من هم أضعف مني قوة وأصغر سناً وأقل حيلة لكي أظهر بطولتي على أجسادهم مما كون لي قاعدة عدوانية بين المحيطين وبمناصرة خفية من أسرتي، فعندما كان احد من أولياء أمور الأطفال الذين أقوم بالاعتداء عليهم يشكوني تكون حجتهم التي يصرخ بها في وجه الشاكي « بأنهم أطفال ولا يؤخذ على تصرفاتهم» مما منحني التصريح المبطن والضوء الأخضر الذي لا يطفأ بأن أفعل ما يجول في داخلي وبأن أشهر هذا التصريح وأنطلق من مفهومه مع من يوبخني أو ينتقدني، ولد ذلك داخلي الأعذار المسبقة لكل ما أقوم به تجاه الآخرين.. عندما بلغت الثالثة عشرة من عمري استهوتني هواية غريبة ذات طابع وحشي كنت استمتع عندما أمارسها وأحرص على مواظبتها.. تعطيني النشوة التي أبحث عنها في أعماقي، إنها هواية القتل...... نعم القتل... فقد كنت أبحث عن القططة وأقوم بقتلها وبعد ذلك أربطها بحبل غليظ وأجرها بدراجتي وأجول بها في ممرات الحارة وطرقاتها وهذه رسالة واضحة وصريحة لكل أقراني بأن هذا مصير كل من تسول له نفسه التفكير في التعدي عليّ أو النيل منّي، لا أقوم بقتل القططة وتصفيتها فحسب، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى التمثيل والتنكيل بها ولا أتوقف عن ممارسة تلك الهواية إلا بعد أن أقضي على القط العاشر يومياً والعاشر هنا ليس مجازاً بل إني أقوم بعدها إلى أن أصل إلى نهاية مغامرتي عندما أنكل بالقط العاشر.. تطورت تلك النزعات فأصبحت المطوة (سكين صغيرحاد) رفيقة دربي ولم يتجاوز حينها عمري الرابعة عشرة فقد كنت أشهرها في وجه كل ما لا يروقني شكله أو كلامه أو حتى لمجرد أنه لا يروقني!!! ويتعدى الإشهار إلى الاستخدام أحياناً كثيرة وأمررها على أجساد الضحايا الذين أنتقيهم لأسطر بطولاتي على جلودهم البريئة... وفي تلك المرحلة من عمري انفتح باب الضياع ومهد طريق الشتات بسفر أخي أحمد إلى الدراسة في الخارج لإكمال دراساته العليا وبهذا حُلت القيود التي كانت تحد نوعاً ما من رغبتي الجامحة في الانطلاق نحو الدمار... كانت تتردد على مسامعي قواعد كثيرة من أهل الضياع وأصحاب الإجرام وبعض الأمثال التي تستخدم في هذه (الأوساط) المنحلة ولكن المقولة التي استوقفتني كثيراً وأعجبت بفلسفتها العميقة مقولة معناها (إن تعاطي الكحول لايصح إلا للأقوياء فقط) وبهذه العبارات المزيفة والمضللة أحببت خوض غمار هذه التجربة وفعلاً سنحت لي فرصة أن أتعاطى الكحول وأحسست أنني وجدت ضالتي فإنها تعزز من مكانتي في هذا الوحل وكان ذلك وهماً حقيقياً لم يتضح لي إلا فيما بعد!!! قطعت شوطاً طويلاً في التعاطي، ومن ثم تطورت مرحلة التعاطي فأصبحت أقوم «بالتصنيع» لأزيد من دخلي المادي ولكني في حقيقة الأمر وفي أعماق نفسي كنت أرغب في أن أزيد وأعزز من مكانتي وأرتقي في هذا الوسط البائس ومع هذا التحول فإنه لابد من تغيير جميع المقومات والمهارات التي كانت في المرحلة السابقة التي كنت أعتبرها مرحلة بدائية، استبدلت الأداة التي كنت استخدمها في الاعتداء على الآخرين من السكين إلى حمل السلاح (المسدس) فقد كان رفيقي الوحيد دائماً حتى وأنا في سكرتي!!! وتطورت حتى هواياتي فقد تخليت عن قتل القططة واتجهت إلى التفنن في هذه الهواية وبدأت تنميتها حيث أصبحت أتعامل مع حيوانات أكبر فكنت أقوم بربط الحمير التي كانت منتشرة في الأحياء في تلك الحقبة الماضية من الزمن... لا أقتلها، بل كي أتلذذ باختراع الأساليب التعذيبية التي أمارسها ومن تلك الأساليب الوحشية كنت أقوم بإدخال عصا طويلة وغليظه في أذنيها وخطمها، وتعدى ذلك إلى الأماكن الحساسة لدى تلك الحيوانات التي كان من بينها الكلاب أيضاً... ولابد مع كل هذه المقومات التي أسعى جاهداً لصقلها وتنميتها في شخصي أن أعيش حياة الرجال.. حياة الأقوياء « كما يعتقد مدمنو المخدرات» وهذه الحياة لا يعزز من قيمتها إلا السجون خلف القضبان وفعلاً اكتملت رجولتي وقوتي ودخلت السجن وأنا في السابعة عشرة من عمري بتهمة تصنيع المسكرات وترويجها وأصابتني خيبة أمل عندما أودعت في البداية مكاناً غير الذي كنت أصبو إليه، لم أودع السجن العام بل أودعت دار الملاحظة الاجتماعية لصغر سني، تكيفت مع هذا الوضع وسيطرت على من هم في تلك الدار وأصبحت الزعيم وبعد بلوغي السن القانونية تم تحويلي إلى السجن.. ذهلت فلقد رأيت أناساً لهم هيبة حقيقة ولهم سجل حافل بالإنجازات الإجرامية وأحسست بأنني سوف أفقد هيبتي وغطرستي التي كنت أتصنعها وأبحث عنها بين رفاقي والتي صنعتها قبل أن يزج بي وسط هذه العلامات الفارقة في الإجرام.. ولكنني أخذت بالتقرب شيئاً فشيئاً من تلك الزعامات «الفارغة والزائفة» داخل السجن إلى أن أصبح لي مكانة مرموقة حتى داخل السجن واستغللت وجودي في هذا المكان لمد جسور التواصل وعقد الصداقات التي سوف تزيد من شخصيتي عند الخروج إلى سجني الآخر... سجن الإدمان!

Pages