كتاب " عصر إنحطاط الإمبريالية " ، تأليف أحمد عز الدين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عصر إنحطاط الإمبريالية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عصر إنحطاط الإمبريالية
لقد ظلت الولايات المتحدة ، خلال أغلب أحقاب القرن التاسع عشر دولة زراعية ، ومصدرا للخامات الأساسية ، ظلت حقل أوروبا الواسع ، ومنجمها الكبير ، ولذلك ظل عامل الاستهلاك ، هو الأساس ، سواء فى مرحلتها الأولى كظل لأوروبا، أو فى مرحلتها التالية ، عندما أصبحت أوروبا ، منذ منتصف القرن العشرين ظلا لها. وهكذا خلال قرنين توسعت أمريكا أفقيا ، قدر مساحتها أربعين مرة ، وكان التوسع الأفقى باستمرار ، سواء بالضم بالقوة ، أو بالشراء ، هو البديل الوحيد ، بعد استهلاك التوسع الرأسى العارم .
منذ النشأة الأولى ،عندما بدأت أمريكا مستعمرة صغيرة ، كان منطق الاستهلاك العارم هو الحاكم الأساسى لها ، بما فى ذلك استهلاك الثروات الطبيعية ، وخلال ثلاثمائة عام ، فإن أمريكا ، تكاد أن تكون استهلكت أمريكا ، لقد كان لديها-مثلا- قبل ثلاثة أحقاب أكبر احتياطى استراتيجى للمنجنيز فى العالم ، واليوم يكاد أن يكون استخراجه غير اقتصادى ، وهو ما ينطبق على أغلب المواد الخام الأساسية فى الولايات المتحدة .
يكفى للتدليل- فقط- أن 4% من سكان العالم يستهلكون 25% من بترول العالم ، وينتجون ربع إنتاج العالم من الغازات الملوثة للبيئة .
ربما تتعمق صورة أمريكا التى استهلكت نفسها ، عندما نتوقف عند حاجة الولايات المتحدة ، لاستيراد المواد الخام من الخارج لإنتاج محرك طائرة مقاتلة قاذفة من طراز أف – 15 فهى تستورد لإنتاجه 100% من الكولومبيوم ، و90% من التنتاليوم ، و90% من الليمنيوم ، و93 % من الكوبالت ، و91% من الكروم ، وهذه المعادن النادرة على وجه التحديد ، هى القاسم المشترك الأساسى، فى إنتاج كل أنواع تكنولوجيا السلاح المتقدمة، وتكنولوجيا الفضاء.
لقد راكمت الطبقة الرأسمالية الأمريكية ، ثروتها أوليا من خلال التصنيع ، وبمنطق الاستهلاك العارم نفسه ، وعندما أصبح سوق السلع الصناعية فى الولايات المتحدة ، غير قابل للتوسع الرأسى ، والولايات المتحدة نفسها فى السبعينات غير قادرة على التوسع الأفقى ، كان البديل هو إقدام الرأسمالية المالية ، على إزاحة الرأسمالية الصناعية جانبا، وإلقاء الصناعة إلى خارج الولايات المتحدة فى مراكز العمل الرخيص ، ولكن حقبتين ونصف من سيادة الرأسمالية المالية ، وتوسعها أفقيا ورأسيا ، بشكل سرطانى ، أوصل الولايات المتحدة إلى أزمة اقتصادية هيكلية ، لعل أبسط دلالاتها على صعيد الرأسمالية المالية ، هو أن سوق الأسهم والسندات فى الولايات المتحدة الأمريكية ، قد فقد من قيمة رأسماله ، خلال العامين الأخيرين- فقط- من إدارة الرئيس بوش ما يساوى أكثر من ثلاثين بالمائة من قيمته ، فقد فقد على وجه التحديد ما يساوى 5 تريليون دولار .
مع سطوة تراث طويل من التوسع والتمدد ، ومع الأزمة الاقتصادية الهيكلية ، وبروز حاجات جديدة ، بعد أحقاب من الاستهلاك العارم ، ومع بزوغ نزعة سيادة إمبراطورية ، يبدو مبررا ، ومنطقيا ، تحويل القوة العسكرية ، إلى استثمار اقتصادى ، و رد الاعتبار إلى نظرية "سبكمان" القلب والحافة ، ويصبح الشرق الأوسط نفسه ، هو القلب الجديد ، وتصبح المساحات الجغرافية البكر ، التى ينظر إليها على أنها مصادر تهديد محتملة للأمن القومى ، بمثابة سلع أمن ، ويصبح التداخل مدهشا بين سلع الأمن ، وسلع الاقتصاد .
يبدو التوجه أكثر وضوحا ، عندما تم فى البداية اختيار شخصيات لحكم العراق ، على غرار الجنرال (جاى جارنر) رئيس شركة "أس. واي. كولمان" المتخصصة فى صناعة أنظمة الصواريخ ، والذى أيد تحطيم عظام الفلسطينيين ، ودافع بثبات عن الاحتلال الإسرائيلى للضفة والقطاع ، وأوصى البنتاجون بإنشاء وحدة جديدة ، تشكل دائرة واسعة من العملاء السريين للجيش الأمريكى فى الإقليم ، هدفها تصفية كل من يمثل خطرا على مصالح الولايات المتحدة ، تحت دعوى أن عملاء المخابرات المركزية الأمريكية ، غير كافين لتحقيق أهداف البنتاجون ، أو على غرار " جيمس ويسلى " مدير المخابرات الأمريكية السابق ، وعضو مجلس إدارة المعهد اليهودى لشؤون الأمن القومى بواشنطن ، والذى أعلن فى محاضرة ألقاها فى ، فى إحدى الجامعات الأمريكية ، أن أمريكا منخرطة فى حرب عالمية رابعة قد تطول لسنوات ، وأن تحرك أمريكا نحو الشرق الأوسط الجديد ، يستهدف إضافة إلى العراق سوريا وإيران ، والإسلاميين المتطرفين ، وأن هذا التحرك الأمريكى سوف يقلق مصر والسعودية ، ,وأن عليهما أن يقلقا، مؤكدا على ما قاله " جاستين ريماندو" من أن العراق سيتحول إلى قاعدة عسكرية للهجوم على الإقليم .
عندما يتم التلويح ، فى وجه سوريا ، بمسألة أسلحة الدمار الشامل ، فإن القضية لا تخص سوريا ، وإنما تخص عموم الإقليم ، باستثناء إسرائيل طبعا ، وليس هذا من قبيل الرجم بالغيب ، ولكنه إعادة قراءة لدراسة مشتركة بين الكلية العسكرية الأمريكية ، ومركز أبحاث الكونجرس ، وهى دراسة صدرت قبل أكثر من سبع سنوات ، تحت عنوان "البحث عن سلام راسخ فى الخليج العربى " ، وطرحت تصورا بتشكيل مجموعة عمل أمريكية ، تتولى مهمة تشكيل جهاز أمريكى على غرار لجنة الأمم المتحدة ، المكلفة بنزع أسلحة الدمار الشامل من العراق ، وتكون مهمة هذا الجهاز ، إخضاع كل دول المنطقة ، لتفتيش دائم عن كل أسلحة الدمار الشامل ، أى إخضاع المنطقة كلها وفقرات هيكلها الاستراتيجى ، لمبدأ أمريكى ، هو "التفتيش عن الأسلحة" ، أما إسرائيل فقد تم استثناؤها من وظيفة اللجنة ، ومن مهمتها ، حيث وصفها مستشار الأمن القومى الأمريكى ، فى التوقيت ذاته ، (بأنها دولة ديموقراطية متحضرة )
عندما نتحدث عن النتائج المباشرة ، لانتصار عسكرى أمريكى فى العراق ، فلابد أن يعلم بعض هؤلاء العرب ، الذين كانوا يتعجلون نصرا أمريكيا ، وهزيمة عراقية ، أن هذه الهزيمة قد تكون هزيمة النظام السياسى السابق فى العراق ، فى منظورهم ، ولكنها هزيمة كل الأنظمة العربية فى منظور الولايات المتحدة ، فهى بالجمع الجبرى ، محصلة ناقصة من دفاعات المقاومة العربية .