كتاب " عصر إنحطاط الإمبريالية " ، تأليف أحمد عز الدين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عصر إنحطاط الإمبريالية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

عصر إنحطاط الإمبريالية
خامسا : إن الذين فرضوا علينا قناعة بفضائل المجتمع المدني، حاولوا أن يفرضوا فى الوقت نفسه قناعة ، بتدنى منفعة القوة العسكرية ، ولم نكن وحدنا ميدانا لنشر هذه القناعة الكاذبة ، فقد تم بذل القناعة نفسها ، لروسيا ، وألمانيا ، وفرنسا ، ولغيرها من الدول ، لكن الجميع قرءوا فى توهج النار الأمريكية فوق العراق ، أن العودة القسرية إلى منطق موازين القوة العسكرية ، يرد الاعتبار تلقائيا إلى أهمية القوة العسكرية ، وأن الحديث عن القوة الناعمة للدولة ، أصبح محض اختلاق مضلل ، لذلك خرج فى روسيا "سيرجى إيفانوف " وزير الدفاع ، يعيد على الملأ تلاوة مقولة قديمة للإمبراطور ألكسندر الثانى يقول نصها: ( ليس لروسيا سوى حليفين أمينين هما الجيش والأسطول ) ولذلك خرج فى ألمانيا "شرودر" ، يتحدث علنا عن مضاعفة الميزانية العسكرية ثلاث مرات ، ولذلك خرج فى فرنسا "شيراك" يقول شيئا مشابها ، لكن رد الاعتبار إلى مفهوم القوة العسكرية ، يعنى رد الاعتبار إلى مفهوم القوة الشاملة للدولة ، ويعني- أيضا- رد الاعتبار إلى منظومة القوة فى الدولة ، لأن مبدأ (كلاوزوفيتز) قد تغير ، فلم تعد الحرب امتدادا للسياسة بوسائل أخرى ، وإنما أصبحت السياسة امتدادا للحرب بوسائل أخرى !
* * *
لتتوقف جلبة النميمة السياسية المفتعلة، للتفتيش عن اللغز المعلق على أبواب بغداد ، الذى سمح بدخول القوات الأمريكية إليها دون مقاومة ، لأن الحقائق الثابتة التى ينبغى مراجعتها أكثر أهمية وجدوى :
1 - لقد قاوم شعب العراق وبعض وحداته العسكرية ، مقاومة بطولية ، لكن الواضح ، أن صلابة المقاومة كانت أشد وأقوى ، كلما كانت أبعد عن مركز النظام ، وهذا يعنى أن طاقة المقاومة كامنة فى الشعب ، وأنه منجم المقاومة لا الفوضى ،ذك أنه بعد مرور أكثر من عامين على احتلال العراق ، فإن شريان الدم الأمريكى ، أصبح أكثر نزيفا. وهذا يعني- أيضا- أن المقاومة ممكنة ، لأننا إذا أقنعنا الناس ، أنهم أمام قوة لا تقهر ، وأمام هزيمة لا تدفع ، فإننا نفتح لهم الطريق ، لكى يتلمسوا الحل عند جيوش العفاريت ، وقوى ما وراء الطبيعة .
2 - إن الأمريكيين يلجأون إلى أحط الوسائل لقطف ثمار أهدافهم فإذا كان طريق نصرهم قد عبد بجماجم المدنيين ، فقد اكتمل بالرشوة ، وشراء الذمم.
3 - إن الدرس الأهم فى مسألة فتح أبواب بغداد ، أمام القوات الغازية (وقد كان بداخلها فرقة مدرعة كاملة ، إضافة إلى لواءين يشكلان ثلثى فرقة ) ، هو مسألة الولاء ، وهى مسألة ذات بعدين ، الأول: أن الولاء الشخصى ، الذى تشتريه الأنظمة بالمال والنفوذ، قابل لأن يباع لأعدائها ، بمال أكثر أو نفوذ أكثر ، وإذا لم توضع قضية الولاء على قاعدة وطنية خالصة ، فسيظل ولاءا مصطنعا، ومزدوجا، والثاني: يتعلق بقضية الاختراق الأجنبى، لأن كثيرا من الوجوه التى توضع فى مواقع التأثير ، تحت تصور تخفيض درجة الصدام مع الخارج ، أو طمأنته ، إنما تمثل احتياطيا استراتيجيا للخارج، فى مراحل المواجهة والحسم ، وفى كل الأنظمة السياسية التى طمأنت خصومها الخارجيين ، بزرع وجوه فى مفاصل السلطة، مقبولة من الخارج ، مثلت هذه الوجوه أكثر المعاول استعدادا، لهدم السلطات الوطنية ، والإطاحة بالأنظمة التى استخدمتها ، لصالح خصومها فى الخارج ، فالوكلاء الفكريين للولايات المتحدة فى الداخل، هم رصيد للولايات المتحدة، وليسوا رصيدا للوطن.
4 - فى العواصف الشديدة ينبغى التمسك أكثر بالجذور ، وفى الزلازل الكبيرة ، ينبغى التشبث ، بصخرة الوحدة الوطنية ، لكن ذلك ليس كافيا بغير رؤية استراتيجية ، وتخطيط استراتيجى ، إن الإسرائيليين يرفعون المخاطر التكتيكية ، إلى مستوى الخطر الاستراتيجى ، أما نحن فإننا نهبط بالمخاطر الاستراتيجية إلى مستوى الأزمات التكتيكية ، ونتصور بالتالى أن الملاينة ومنهج إدارة الأزمة كافيان ، والمطلوب ليس فقط ، أن نتخلى عن منهج إدارة الأزمة ، وإنما عن دعاته ، ووجوهه ، من وكلاء أمريكا الفكريين ، الذين يرون فى منهج الأزمة فرصة تاريخية ، ليقفزوا إلى مقاعد السلطة .
وبعـــد
إن هذه المجموعة من المقالات والدراسات ، التى واكبت بزوغ الاستراتيجية الأمريكية ، بعد أحداث 11 سبتمبر ، وحتى ما بعد احتلال العراق ، ينتظمها جهد فكرى واحد ، يستهدف الإحاطة بالتهديدات الاستراتيجية ، التى تهب علينا من كل اتجاه ، بغية " إدراك الخطر" على نحو عميق ودقيق وصحيح.