كتاب " عصر إنحطاط الإمبريالية " ، تأليف أحمد عز الدين ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب عصر إنحطاط الإمبريالية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
![عصر إنحطاط الإمبريالية عصر إنحطاط الإمبريالية](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/md16f.jpg?itok=ZpfKC1N0)
عصر إنحطاط الإمبريالية
إن المفارقة الكبيرة بين مشاهد السيناريو السابق ، لوقائع الهجوم الأمريكى الأول ، تؤكد وحدها قابلية للتكرار ، إذ أن جميع التقارير والدراسات برهنت بعد ذلك على أن قرار توجيه ضربتين صاروخيتين إلى السودان وأفغانستان ، قد أتخذ بعد خمسة أيام فقط من وقوع عملية تفجير الســفارتين الأمريكيتين فى نيروبى ودار الســلام ، ( وبالتحديد يوم 12 أغسطس 1998 ، بينما وقع الانفجاران فى اليوم السابع من الشهر نفسه ) ، ورغم أنه أصبح من الثابت –أيضا- وفق هذه التقارير ، أن جورج تينت رئيس المخابرات المركزية الأمريكية ، قد وقف أمام الرئيس الأمريكى ، بعد يومين من اتخاذ قرار الهجــوم ، ( يوم 14 أغسطس تحديدا ) ، وقال فى تقريره له : إن مسئولية التفجيرين تنتهى بين يدى بن لادن ، بينما كان رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالى ما زال يؤكد للرئيس أن الوصول إلى نتائج واضحة ، تتمخض عنها التحقيقات ، سيحتاج إلى بضعة شهور ، مع العلم بأن تقرير المخابرات الأمريكية الذى ربط بين التفجيرين وبين بن لادن ، كان مستندا بشكل كامل ، إلى معلومات سابقة ، على تفجير السفارتين بستة أسابيع كاملة ، فقد تسربت كما أكدت (دير شبيجل) الألمانية بعد ذلك ، إلى المخابرات المركزية الأمريكية ، أخبار عن اجتماع عقدة أسامة بن لادن ، مع قيادات تنظيم القاعدة ، فى قندهار جنوب أفغانستان ، وتضمن الاجتماع مناقشة توجيه ضربة ما إلى المصالح الأمريكية ، ولما كانت الضربة قد وقعت ، والسفارتان قد دمرتا ، فقد تحولت الإشارة الغامضة عن الاجتماع ومادته إلى دليل قاطع على أن بن لادن هو الذى قام بعمليتى التفجير ، غير أن الأهم من ذلك أن القرار الاستراتيجى بتوجيه ضربة صاروخية إلى السودان وأفغانستان ، كان سابقا على توفر أدلة ثابتة ، من خلال التحقيقات ، تفيد وجود تلك الرابطة بينهما ، وبين عملية التفجير ، فقد أتخذ القرار ، ثم بدأت رحلة البحث عن القرائن والأدلة ، لتأكيد صحة الاتهام ، ولما لم ينجب التحقيق أدلة دامغة ، لم يكن بمقدور قرار التنفيذ أن ينتظر ، فاندفع صوب أهدافه المعلنة ، حيث جرى قصف السودان وأفغانستان بحوالى 100 صاروخ بلوك 3 ، الذى كان بمثابة تطوير جديد للصاروخ توما هوك ، تتم تجربته للمرة الأولى فى مسرح عمليات حقيقى ، وكانت النتيجة تدمير مصنع أدوية فى السودان ، تدميرا إبداعيا حسب التعبير الأمريكى ، وإن كان هذا التدمير الإبداعى ، لم يمنع من تدمير مصنع للحلاوة الطحينية مجاور له ، وإلحاق أضرار بعدد 7 مواقع فى أفغانستان ، وإن كانت هذه الأضرار لم تلحق بشخص بن لادن الذى استهدفه القصف ، حيث قيل مرة تبريرا لذلك ، أنه أغلق هاتفه المحمول ، وقيل مرة أخرى ، إن الجواسيس الأمريكيين فى أفغانستان ، هم الذين أغلقوا أجهزة إرسالهم بعد أن تم كشف اللعبة فلم تتوجه الصواريخ إلى أهدافها بدقة .
* * *
ماذا أريد أن أقول من كل ما سبق ؟
أريد أن أقول - أولا - إننا أمام مجتمع أمريكى ، تم تجهيزه وشحنه مسبقا حتى على مستوى الدراما ، بأن العرب والمسلمين ، هم أصل الشر ومنبت الإرهاب ، وأريد أن أقول –ثانيا - إن القرار الاستراتيجى بتوجيه ضربة عسكرية إلى عدو مبهم ، أسمه الإرهاب ، قد تم اتخاذه بالفعل ، وقبل أن تظهر نتائج التحقيقات أدلة قاطعة تسمح بتوجيه الاتهام ، وأن ما يحدث هو تكرار لما حدث فى مرة سابقة ، حيث تم توجيه الاتهام ، وتحديد الجانى ، ثم تم توجيه التحقيقات فى اتجاه جمع الأدلة على صحته ، وأريد أن أقول –ثالثا- إن وضع القرار الاستراتيجى العسكرى موضع التنفيذ ، لن ينتظر بلورة نتائج نهائية للتحقيقات ، فإطلاق النار سوف يسبق النتائج والأدلة ، وأريد أن أقول –رابعا- إن الضربة العسكرية الأمريكية ،لن تتوقف هذه المرة ، كسابقتها عند حدود أفغانستان ، وأنها ستتسع لتشمل حدودا أخرى ، ودولا أخرى ، مثلما أدخلت الضربة السابقة ، السودان بشبهات كاذبة لا علاقة لها بالتفجيرات ، عن وجود مصنع لإنتاج مواد كيماوية ، ثم ثبت بالتحقيق بعد ذلك، أنه لم يكن ينتج سوى مضادات حيوية ، لمكافحة أوبئة أفريقية ، وأريد أن أقول -خامسا- إن حجم الضربة التى تعرضت لها الولايات المتحدة ، ودرجة الضغوط الداخلية التى تترتب عليها ، إضافة إلى إحساس عميق بالخيبة والمهانة ، والكرامة المبعثرة ، تدخل جميعها عوامل فى تحديد طبيعة هذه الضربة ، من حيث السرعة والقوة والاتساع ، والحصول على نتائج تبدو كبيرة ومباشرة ، إضافة إلى القابلية للتكرار .
لكن هذا كله فى الحقيقة لا يمثل إلا نتائج أولية لتحول كيفى كبير ، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض شروطه فى الواقع الدولى عامة ، والإقليمى خاصة ، ليس للبرهنة فقط على أنها ما تزال تحتل موقع القيادة المنفردة للعالم ، ولا على أنها المؤهلة وحدها ، لكى تنتزع النصر النهائى له ، ولكن لاستغلال المناخ الدولى الراهن ، سواء لإلحاق أضرار شديدة بخصومها ، أو تحقيق جانب كبير من أهداف استراتيجيتها الكونية .
والحقيقة أن تحديد ملامح هذا التحول الكيفى الكبير ، الذى تسعى الولايات المتحدة لخلق شروطه فى الواقع ، تتبدى أهميته مضاعفة الآن خاصة لاستبيان آثاره ونتائجه فى أوضاع الإقليم ، لأنه يمكن الجزم بأن هذه الآثار لن تكون عابرة ، ولن تكون مؤقتة ، لكن تحقيق ذلك تكتنفه صعوبات شديدة ، بحكم أننا أمام حالة أمريكية ، ما تزال سائلة وملتهبة ، وأمام محاولة مرتبكة ، لتصفية عدو ما يزال غريبا ومبهما ، وأمام محيط دولى تتبدى فى وحدته الطارئة تحت تأثير الصدمة ، تناقضات أكثر عمقا ، فضلا عن الطبيعة المزدوجة لهذه الحرب الأمريكية الجديدة المعلنة ، والتى تستهدف ( كما حدد باول ) تمزيق الشبكة المسئولة عن الهجوم الذى تعرضت له أمريكا ، ثم اقتلاع جذور الإرهاب فى العالم أجمع ، علما بأن التمزيق والاقتلاع سوف يتمان بوسائل عسكرية مباشرة .
* * *