كتاب " العين الغائبة - الجبرتي والحملة الفرنسية عى مصر" ، تأليف عمر جاسم محمد ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
You are here
قراءة كتاب العين الغائبة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
العين الغائبة
وكان الفصل الاول الذي انقسم الى ثلاثة مباحث [مصادر الجبرتي عن الحملة الفرنسية (1798-1801)" دراسة نقدية في معرفة المؤرخ " ]، اذ بحثنا في الجذور و الخلفيات الفكرية والاجتماعية للمؤرخ عبد الرحمن الجبرتي (1754-1825 م ) ؛ لفهم شخصيته من حيث هو مؤرخ و رجل دين و مواطن مصري، و من ثم بيئته التي عاشها، من خلال ثلاث محاور، الاول : والده حسن الجبرتي الذي ترك اكبر الاثر، وأسلوب حياته، وثمة جانب اخر -وهو الأهم الاشارة بالبحث في مؤلفاته وتاريخ الكتابة وبواعثها، لان ادراك تاريخ الكتابة عنده ؛ يوضح شخصيته وآرائه، حين نعرف لمن كتب، وكيف كتب و متى كتب، وبالضرورة سنثبت شهاداته ومصادرها وطرائق تجميعها، وبالتالي فان ذلك سيعطي عن الجبرتي صورة ذات ملامح واضحة وأبعاد دقيقة.
و لان الجبرتي اعتبر نقطة تحول في الكتابة التاريخية في مصر في القرن الثامن عشر، لذا وجدنا ان البحث في جزئيات عميقة مكنونة داخل مؤلفاته تبدأ بدراسة اليات البحث عند الجبرتي، ورؤيته للحدث، و قصديته في الكتابة .
و يمثل الفصل الثاني[الجبرتي و الفرنسيين "دراسة تحليلية في رؤية الجبرتي للفرنسيين في مصر"] من هذه الدراسة الجانب التطبيقي لرؤى الجبرتي التي كونها عن عصره، استنادا الى تكوينه المعرفي، ليعطي هذا الفصل عرضا مفصلا عن الاندماجات الفكرية و التصورات النقدية التي طرحها الجبرتي في كتابه عجائب الاثار، لذا ثمة اهمية بالغة و ارتباط جد وثيق بين الفصل الاول و الفصل الثاني، من حيث هو تطبيق عملي لنظريات الجبرتي الفكرية والتاريخية و السياسية و الاجتماعية .
ويعطي هذا الفصل الملامح التكوينية التي ثبتها الجبرتي عن الحملة الفرنسية و التي تمثلت في انطباعه الاول و الصدمة الفكرية التي تعرض لها الجبرتي، لا سيما بعد خطاب نابليون الذي وضع الجبرتي في صراع فكري عنيف من نوعه مع ما لديه من موروث فكري تاريخاني ووضع قيمه ومعرفته على المحك، وتحول خطير للانتقال من عصر الى عصر اخر، اذ خاطب نابليون اماني الجبرتي في منشوره الاول، وهذا ما تضمنه المبحث الاول، الذي ركز على الصدمة الاولى للحملة ومن ثم اعطاء الانطباع عن التحديث الذي شهدته مصر وعجز العقل المصري عن انتاج بنيوية تحديثية اصيلة .
لقد درجنا على توصيف نظام الحكم الفرنسي في مصر، واليات الحكم وخصائصه، اذ اشتمل المبحث الثاني على تبيان النظام الديمقراطي ونقل التجربة الفرنسية الى مصر من خلال النظام الاداري و السياسي لحكم "مصر نابليون ".
اما المبحث الثالث فكان لتوضيح الانجازات الفرنسية على كافة الاصعدة في مصر، والتي احدثت التغييرات البنيوية ليس في البناء الحضاري فحسب، بل حتى – فيما بعد – بالفكر المصري الحديث، الذي ظهرت بوادره في فترة محمد علي ومايليها .
ان لكل مرحلة تاريخية اثار تفوق تلك الافعال التي حدثت، وقد يكون بعضها قصير المدى فتزول بزوال المؤثر، وقد تستمر الاثار على المدى البعيد و تلك هي الاكثر خطورة، اذ انها تقوم بفعل التحويل الفكري العقلي داخل اللاوعي و اللاشعور الذي تتركه تلك المؤثرات . فقد مثلت الحملة الفرنسية وعيا تاريخيا بكل المقاييس مخلفة اثارا جد عميقة على المجتمع و البنية العقلية المصرية، ولا نكاد نجافي الحقيقة اذا قلنا بان للحملة الفرنسية على العقل المصري اثارا جد عميقة بلغت اعادة تشكيل بنية العقل المصري و فكره، و انتجت - فيما بعد - رؤى و افكار مثلت ذلك التأثير الفرنسي، في الفن و الادب و التاريخ و حتى الجغرافيا و السينما و المسرح و التعليم، والى اليوم .
لذلك جاء الفصل الثالث[المصريون في ظل الحملة الفرنسية" دراسة نقدية في وصف الجبرتي للتحولات التاريخية و الفكرية "] ليظهر تلك المؤثرات و طريقة استيعابها من قبل المصريين، ثم تحولها الى فكر و بنى عقلية داخل المجتمع المصري . فكان المبحث الاول عن الحكم و الادارة الذي مثلته منذ زمن بعيد طبقة العلماء، ليظهر الاثر الذي تركته الحملة الفرنسية في هذه الطبقة التي تزعمت الفكر المصري منذ زمن بعيد .
وكان المبحث الثاني في الاثر الذي تركته الحملة على المجتمع المصري، ذلك الاثر الذي اظهر طبقات اجتماعية جديدة لم تكن تحلم ان تطفو على السطح لولا مجيء الحملة الفرنسية، لاسيما الطبقات الطائفية و الدينية، ثم التراتبية الاجتماعية التي مكنت طبقات لم يكن لها شأن يذكر من ان تكون طبقات ذات اثر ووعي و ادراك لما هي عليه .
و خلص المبحث الثالث الى التباين بين الانظمة الثلاث التي عاشتها مصر بين حكم العثمانيين و المماليك وثم الفرنسيين وعودة العثمانيين اليها، تلك الصيغ التي صيرت من كينونة المجتمع في عدة انحناءات على الرسم البياني للعقل المصري .
وتمثلت الخاتمة بالاستنتاجات التي توصل اليها الباحث من خلال الدراسة، والتي اعطت صورة مكتملة عن الحدث من خلال رؤية المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي و التي اعطت ملامح مكتملة من حيث هي مرتبطة بالواقع المصري انذاك، ومرتبطة برؤية الاخر الذي شكل الى يومنا الحالي عبئا على التكوين الفكري العربي .