You are here

قراءة كتاب العين الغائبة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العين الغائبة

العين الغائبة

كتاب " العين الغائبة - الجبرتي والحملة الفرنسية عى مصر" ، تأليف عمر جاسم محمد ، والذي صدر عن دار زهران ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
دار النشر: دار زهران
الصفحة رقم: 8

هكذا يمكن رسم الصورة المصرية (الشرق) في مخيلة نابليون و الفرنسيين بطريقة من الدقة بمكان ترصد التحولات الكبيرة التي شهدتها الصورة النمطية، حتى اصبحت بشكل مستقر في ذهنية نابليون، فبعد ان كان الاسلام وحشا غيبيا في تخيلات الاوربيين لا سيما ما قبل الحروب الصليبية، وتلك الاساطير التي ظهرت حول عدم امكانية هزيمة جيش من المسلمين، نرى الصورة تبدلت وتحولت اثناء الحروب الصليبية وما بعدها، ثم ما فتئت تلك الصورة تتغير لا سيما بعد الحملات النصية التي مثلها الرحالة الذين استكشفوا الشرق عن قرب، وبدأت الصورة تأخذ شكلا اكثر خطورة مما كانت عليه، فبعد ان كانت صورة قائمة على التخلف و الهمجية، اصبحت وبفضل فولتير، قائمة على الذكاء المتقن، ولكنها في الوقت ذاته عدائية، وقد ادرك نابليون من كل ذلك انه ينبغي عليه ان يحسن انشاء المعادلة، فاختار ان يكون(مسلما)على ان يكون عدوا لهم(28).

وفيما يخص نظرة العرب للآخر-الغرب-،فان المسألة تأخذ أبعادا أخرى،فالشرق بوصفه حيزا فكريا وحضاريا،يتقاطع عمليا وفعليا مع الموروث الاستشراقي الغربي،باستثناء مسألة التنصيص التي قام بها الغرب الاستشراقي، وهي الدراسات التي لا تبتعد عن الموروث الحضاري العربي،وربما سنستطيع الوصول إلى طريقة لتصحيح نظرة الغرب عن الشرق،أو على الأقل،معرفة كيف يفكر الآخر الغربي بالأنا العربي،إذا ما فهمنا أولا كيف ننظر نحن(الأنا العربي)إلى (الآخر الغربي)،إن الانوية المرتفعة عند العرب،كانت ومازالت عقبة في طريق التفاهم الحضاري بين الشرق والغرب،وهذا لايعني بالضرورة تواضع الأنا الغربي.

إن الميل العربي إلى موضوع الهوية أو الذاتية امتد،بشكل ما في اختيار((قريب))أي في اختيار آخرية تداخلية،إن صح التعبير،على أن اقتران الذات بالآخر يشير إلى جدلية بينهما تناولتها الأدبيات المعروفة في العلوم الاجتماعية والنفسية،وبديهي فأن صورة الآخر ليست هي الآخر تماما،بل هي صورة في المخيال و الخطاب،الصورة ليست الواقع،حتى وان كان الصراع حولها من رهانات الواقع.ولأنها كذلك فهي اختراع،والانا التي لايوجد الآخر بدونها هو اختراع تاريخي،لاحق،لارتباطه باكتشاف الوعي بالذات (29).

على أن اختراع الآخر يرتبط عند البعض بسياق الاكتشافات الغربية وبما وفرته سطوة شروط الخطاب حول الاختلاف الثقافي،ولما كان الخطاب حول الآخر هو خطاب حول الاختلاف،فإن التساؤل فيه ضروري حول الأنا أيضا،ذلك أن هذا الخطاب لا يقيم علاقة بين حدين متقابلين،وإنما علاقة بين آخر وأنا متكلمة عن هذا الآخر(30).

ويصبح المعطى هو انه لا توجد علاقة بالآخر إلا على قاعدة غالب ومغلوب،ومن دون هذه القاعدة،يضمحل الآخر ويصبح عدما،مندمجا تمام الاندماج،بحيث يصبح الأنا،كل الحملات التي تخاض ضد الآخر ترمي إلى التشبه والتماثل،ولا يوجد آخر من دون الوعي بوجوده،فالعرب لم يصدموا بالآخر الغربي إلا بعد الحملة الفرنسية،ومذ ذاك خرجوا من سباتهم العثماني،فأعجبوا بهذا الآخر ثم تقارنوا به وقارعوه وقاتلوه(31).

إن صورة الآخر تحيل على الواقع الذي بنيت فيه:عندما كان المجتمع في قوته وكانت ثقافته في ندها لم يكن الآخر مشكلة،ولا((جحيما))،وعندما فقد المجتمع قوته ومناعته واهتزت ثقافته،فانكمشت،دفاعا عن الذات،أصبح الآخر المهدد لها عدوا لا ترى غيره،وإذا كانت هذه النظرة لا تجد صعوبة في إيجاد ما يفسرها أو يبررها،فأن الصعوبة كبيرة في أن تجد لها أصولا ونماذج في التراث الفكري العربي المتقدم،ومن هذه الوجهة،تحتاج الاخبار فيما خلا النصوص التاريخية حول بنية العقل العربي إلى إعادة نظر جدي،أن النموذجين المتباعدين زمنيا-وكذلك فكريا-وهذا أهم،ينتميان إلى هذا العقل في علاقته بالتاريخ،وهو مايعني-افتراضا-أن مجتمعا عربيا تكون له القوة والمناعة ويكون في التعدد،مع إمكانية التعبير الحر عنه،يمكن أن يفك حصار مخياله وأن يتسع،في ثقافته،مجال الآخرية لغير الغرب وبغير العدو(32).

و من هنا تختلف اليات رصد الصورة الفرنسية في المخيلة العربية (المصرية) اختلافا كبيرا، و قد استندت اوربا على الموروث النصي الذي خلفه الرحالة والمستشرقون بسنين طويلة سبقت الحملة على مصر، ولان العلاقة كانت الى فترة متأخرة قائمة على ما هو اسلامي و مسيحي، وان اوربا مثلت القوى التي حاربت الاسلام، وبالمقابل فان المشرق مثل عدوا للغرب، لهذا نجد ان الوعي الجمعي لكلا الفريقين ظهر في الكتابات الاوربية اكثر عمقا مما كان عليه في الشرق، ولا تعطي الكتابات العربية صورة واضحة عن الغرب، بسبب اثر الوعي الجمعي التراكمي الذي خلفه الموروث الديني على رفض كل ما هو مناقض للاسلام رفضا جماعيا، وان الغرب غالبا عدو يجب محاربته .

ورغم ذلك احتفظ العرب بصورة نمطية عن الغرب تمثلت بـ مصطلح (الفرنجة) واستعملوه بمعنيين، عام يشمل كل سكان اوربا خارج الدولة البيزنطية، ومعنى خاص على اغلب منطقة شمال الاندلس، ويظهر ان الكتّاب المسلمين، كانوا على دراية بمواطن الفرنجة(جزء من فرنسا حاليا) الذي اقاموا فيه، ثم اتسع نفذوهم مع اتساع الامبراطوريتين اللتين اقامهما الفرنجة (الميروفنجية والكارولنجية ) واستمرارها زهاء خمسة قرون (481-983م) لكن بقي موطنهم ومركزهم (فرنسا حاليا)، وعرف المسلمون في الشرق الفرنجة اكبر قوة سياسية مهيمنة على وسط و جنوب اوربا، لذا تم تعميم المصطلح على كل الاوربيين تقريبا عدا البيزنطيين، وهو تصوير واقعي كان يقر به حتى الاوربيون انفسهم، لذا عندما غزا الفرنجة بلاد الشام (490هـ/1099م) لم يكن من الصعب تمييزهم عن الاقوام الاوربية المعروفة مثل الروم والصقالبة والبلغار، لان عملية التمايز بين الاقوام جغرافيا ظاهرة موجودة في المصادر العربية - الاسلامية(33).

ومن هنا، لم تتعدى صورة الافرنج لدى المؤرخين المسلمين، تعريفا جغرافيا مناطقيا، لاسيما الجبرتي الذي كانت معرفته بالفرنسيين تستند على الموروث التاريخي الاسلامي، فكان كتابه عجائب الاثار زاخرا بمصطلح (الفرنجة، الافرنج)، وقد ورد المصطلح مئات المرات في مواطن مختلفة من كتابه في الفترة التي ارخ لها قبل الحملة الفرنسية، ويتضح من ذلك ان معرفته كانت تقتصر على ما قرأه من موروث تاريخي سابق (34).

لكن الصورة تبدأ بالتغير عند الجبرتي، فيظهر مصطلح الفرنساوية في الفترة القريبة لما قبل الحملة الفرنسية، لا سيما و هو يذكر ان والده (حسن الجبرتي) (35)،كان يدرس عنده طلاب فرنسيون جاءوا اليه سنة (1159هـ/1746م)، في نفس الفترة التي تميزت بالاهتمام الفرنسي بالحصول على المخطوطات العربية، فضلا عن النشاط المتزايد للاستشراق الفرنسي، فقد تأسست في فرنسا مدرسة فتيان اللغة ( L’Ecole Des Jeunes De Langues) والتي تخرج منها عدد من اكابر المترجمين الملمين باللغتين العربية و التركية في الفترة(1721-1761م)، وكانوا من الذين رافقوا حملة نابليون الى مصر (36).

كما يشار الى ان الجبرتي قد عرّف الفرنسيين بـ (طائفة الفرنسيس) بوصفهم جماعة تنتمي الى حيز مكاني و تاريخي و ديني، ولعل هذا المصطلح اكثر دقة، وبهذا يكون قد خصصهم بعد ان كانوا مفهوماً عاماً، وهذا ما يؤكد ان معرفة الجبرتي بالفرنسيين مرت بمراحل قبل ان يتعرف عليهم بصورة مباشرة، ومر المفهوم لديه بتعاقبية، حتى ولد ذلك لديه صدمة فكرية بعد ان قابلهم شخصيا، وكأنه كان ينتظرهم ليتعرف عليهم اكثر، وتميز الجبرتي -بعد ذلك- بحس الرصد المنظم للفرنسيين، ومهما يكن الحال لا يمكن توصيف صورة الفرنسيين بمخيلة الجبرتي قبل الحملة بشكل دقيق، اولا لقلة الشواهد التاريخية على ذلك، وثانيا وهذا هو الاهم، ان معرفته بهم كانت بمفهوم عام وليس خاص، بحكم الموروث النصي التاريخي الذي استندت اليه مخيلة الجبرتي (37).

Pages