You are here

قراءة كتاب قضايا قيد التكوين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا قيد التكوين

قضايا قيد التكوين

كتاب " قضايا قيد التكوين " ، تأليف د. حسن خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4

استناداً إلى ذلك تصبح قضية المكان والزمان قضية اساسية ومعيارية في تحديد الواقع السياسي وارتباطه بتكوين المكان العام. إن فكرة تحديد وتكوين المكان العام هي المدخل الضروري لتحديد "الرأي العام" وعلى ذلك، تصبح قضية فهم المستجدات المعيشة قضية معرفية واضحة تأخذ الوقائع، تحللها وتكشف ابعادها وتفضح مكنونانها. إذن هي عملية "ترابطية" من حيث الشكل والمضمون وعلى هذا الأساس ستتم معالجة الثالوث السابق الذكر من خلال كشف الترابط الموجود بين مكوناته المختلفة وارتباطها بتطور الأحداث والمستجدات التي تعصف حالياً، ليس بالمفاهيم والسلوك فقط وإنما أيضاً، وللأسف بالقيم الإنسانية التي أضحت نسبية فهمها مدخلاً للتطاول عليها بحجج وأساليب وخطاب وسلوك سياسي واجتماعي وأخلاقي مجحف كثيراً.

إننا وبكل تأكيد نعيش في عصر طغت عليه اعتبارات مغايرة كثيراً عن السابق، هذه المستجدات ليست نتيجة للتطور التكنولوجي الحالي فقط، وإنما هي امتداد لسياسات غريبة بعض الشئ ومريبة كثيراً تمارسها الرأسمالية المعولمة بنسختها الحالية: إننا في عصر سيطرة الرأسمالية الأكثر تطرفا، أقله حتى اليوم. رأسمالية منتجة لكل ما هو موضع شك وريبة وتطرف: إنها تنتج الحروب أكثر من السلام، تنتج النفايات على أنواعها أكثر مما تنتج الحبوب والغذاء على انواعه، تنتج الكثير من ثاني اوكسيد الكربون والاحتباس الحراري أكثر من إنتاجها للمساحات الخضراء والجهد لرتق طبقة الأوزون، تنتج الفقر والجهل والأمية وقلة الماء كما تنتج بغزارة وكرم الأسلحة ومستلزماتها. ها هو الواقع المعيش حالياً بصعوبته ومشاكله وازماته. وعلى ذلك الواقع وعلى تلك الأرضية مطلوب العمل على كشفه وتعريته وفضحه وإنتاج بديله. انها مهمة صعبة بدون شك ولكن ليست مستحيلة.

إن استحالة الربط ما بين العصفور والسمكة في بداية طرح الإشكالية كانت الحافز لشرح المنطق التفكيكي لفهم المعضلات التي تواجهنا، لقد كانت شكلاً من أشكال الاستحالة لدى المتدربين في البداية. بعد التدرج في عملية التفكيك المعرفي المرتبط بتحليل البيئة الموجودة حول كل كائن على حدة ومن ثم ربط القضايا بعضها ببعض، جعل القضية تنحو منحى آخر نحو الحل والفهم واستنباط النتيجة والحلول المطلوبة. بدون شك، لقد احدثت صدمة ايجابية لدى المتدربين واكسبتهم مهارات وتقنيات جديدة هم بحاجة إليها في عملهم اللاحق مع الأطفال.

إننا في مرحلة التفكيك وبناء الاشكالية ولم نكن أقل دهشة واضطرابا أمام ما يواجه العالم حالياً من ازمات مرتبطة بنظام سياسي حاكم ومتحكم، من المتدربين. لكن وفي الوقت نفسه، لن نكون أقل جرأة وشجاعة في المواجهة لكشف الواقع وإنتاج البديل. والمشترك بيننا هو المشاركة في تحمل المسؤولية أمام الأجيال القادمة والبشرية جمعاء بمقدراتها الطبيعية والبشرية والمناخية والاجتماعية. إنه تحدٍّ؟ نعم هو وبكل تأكيد هو كذلك. إنه مهمة نضالية؟ نعم بدون شك وبامتياز. إذن، ربطنا ما بين الواقعتين، وبدأنا المهمة وما علينا إلّا الاستمرار لننتج البديل الإنساني الأكثر وضوحا وعدالة وصدقاً.

إن الترابط المكاني ما بين الجبل والبحر يُعتبر بعيداً من حيث المسافة المرتبطة بالجغرافيا والتضاريس، ومع ذلك في عملية الربط التي تمت أصبحت تلك المسافة مرتبطة بالوظيفة المفترضة أو المطلوبة لكل من "المكانين" وعلى ذلك أصبحت قضية البعد المكاني تفصيلاً بسيطاً وليس جوهرياً. إن ما نتحدث عنه هو في الاتجاه نفسه، فلا فرق، عند مناقشة قضايا التعددية أو الهوية أو الانتماء وغيرها من القضايا، أن يكون المكان في العراق أو لبنان أو باكستان أو اميركا اللاتينية... أو باريس أو لندن أو برلين أو كوبنهاجن أو واشنطن وغيرها من العواصم الغربية. هنا عامل المكان لن يقاس بالمنطقة أو بالبقعة الجغرافية أو بالقارة وإنما حتماً وبكل تأكيد بالسياسات المتبعة في تلك البلدان، مما يجعل مقاربة ومناقشة مثل تلك القضايا في البلدان الغربية اعقد وأكثر خطورة ومدعاة للدهشة. لم الاستغراب؟ لا تقاس القضايا بالغنى أو "التحضر" المزعوم وإنما بأمور أخرى سنحاول مناقشتها وكشفها لاحقاً.

Pages