You are here

قراءة كتاب قضايا قيد التكوين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
قضايا قيد التكوين

قضايا قيد التكوين

كتاب " قضايا قيد التكوين " ، تأليف د. حسن خليل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

3- مظاهر التعبير

استناداً إلى ما تقدم ولكي لا نقع في فخ التعميم والاقتصار على البحث النظري سنحاول مقاربة قضية التعبير عن نمطية التعددية أو التعاطي معها من خلال نماذج وامثلة افتراضية بطريقة الطرح وإنما واقعية من حيث الواقع المعيش والممارسة اليومية. يمر عالمنا اليوم في مرحلة رمادية من الفصل بين القضايا، لم تصل بعد إلى مرحلة الانفصام وإنما في الطريق إليها. مرحلة "تناقض" بالمقاربات بين "ما نريد" وبين ما "هو موجود" لتصبح معه قضية الربط بينهما قضية أساسية ومطلوبة لنقاش الحالة العامة المسيطرة. لقد اختل العالم في نهايات القرن الماضي وهذه قضية واضحة لا لبس فيها. لقد ازداد اختلاله في بدايات القرن الحالي وهذه قضية أيضاً واضحة ولكن مستمرة، وهنا المشكلة؟ إذن منطق الاختلال يتطور ويتفاقم، اي، بمعنى آخر، نحن سائرون إلى مزيد منه وهنا الخطر!

لقد احدثت نظم العولمة الحاكمة وبكل تأكيد هذا الاختلال وهي المسؤولة عنه، وعليها تحمل النتائج والتبعات. لكن السؤال المفصلي هنا: هل هي، أي النظم، من تتحمل التبعات اليوم؟ بكل تأكيد إن الجواب بالنفي سيكون هو الصحيح وعلى ذلك سنحاول ابراز بعض القضايا والأمثلة والنماذج، ليس لمناقشتها وإنما لمجرد التوضيح والمعرفة والبناء عليها. هي إذن قضية اختلال ولكن للأسف لم تقف عند حد السلوك السياسي ولا الاقتصادي المعمول بهما حالياً، وإنما تعداه إلى القيم والمفاهيم الإنسانية التي تميز بها منطق وفكر وسلوك من اسّس فكرة العدالة الاجتماعية والدولة الديمقراطية دولة القانون والرعاية، ولمن اطلق مفاهيم المساواة والحرية والحياة السعيدة والشعوب الحرة.... مفاهيم كانت أساس الحياة الاجتماعية ومواضيع وقضايا تطويرها فيما بعد، قضايا لطالما ناضل من أجلها كثيرون حتى أصبحت من المسلمات البديهية في تكوين الفكر السياسي والاجتماعي على اختلاف اتجاهاته. في عصر ما بعد تلك القيم سنحاول إعادة الاعتبار، أقله لمحاولة نقاشها، لعلنا في ذلك نستعيد بعضا منها أو من التاريخ المقتول عذراً من احفاد الأنوار ووارثيهم.

إن التدرج في طرح القضايا المرتبطة بحجم قضية كقضية التعددية يحمل في طياته بعدين أساسيين: بُعداً مرتبطاً بالطبيعة العامة لهذا المفهوم والآخر مرتبط بالسلوك المرافق أو اللاحق. على ذلك نرى اليوم أن من الضروري جداً الوقوف عند بعض السلوكيات البسيطة المرافقة لثقافة "عالم العولمة المتقدمة" (17) لتبيان مدى تأثر الرأي العام أو لنقل بكل بساطة رأي الشارع البسيط من مواطنين عاديين يذهبون إلى اعمالهم ويعودون إلى منازلهم دون كثرة ضجيج، غير الذي يصادفهم في تنقلاتهم واماكن عملهم. إن مبلغ هذا التأثر قد وصل إلى مراحل متقدمة في تكوين الوعي الإنساني من خلال كثرة الضخ الإعلامي-السياسي المشتبه والمشوه حول قضايا كبرى، أو كانت كذلك. مبلغ تأثيرات تلك الآلة المكونة للرأي والوعي العام وصلت إلى مرحلة السيطرة على اتجاهات التفكير والسلوك المرتبط بها حتى أصبحنا نسمع صداها في الشارع بكل بساطة وأحياناً بتبنٍّ غير معروف الأسباب أو الغايات. إن حالة اللامبالاة المسيطرة حالياً عند أكثرية "رأي عام" يُفترض أن يُشكل أو يُحدد شكل السلطة السياسية الحاكمة أصبحت تنذر بخطر كبير ليس على ضياع القيم فقط وإنما الخوف من تلاشي فرصة إعادة احيائها.

عند هذا الحد يجب التوقف للتفكير في مخرج من هذا المأزق التاريخي وفق المعايير كافة، والعمل من خلال إعادة الاعتبار إلى فكرة تكوين الوعي العام المرتبط بوضوح بالقضايا المطروحة بأهدافها واستهدافاتها دون الوقوع في اخطاء التعقيد أو المواربة أو الغموض. إن الكثير من القضايا المطروحة اليوم على بساط النقاش والبحث والتفكير ما هي إلّا قضايا كانت محسومة في أكثريتها حتى الأمس القريب من خلال موازين قوى كانت قائمة واختلت. لذا يجب ان ينصبّ العمل الآن على إعادة تشكيل موازين القوى تلك مع ارجحية لمن يقف اليوم في صف المعترضين على السياسات القائمة. ما سنحاوله الآن هو التوقف عند بعض مظاهر وامثلة يمكنها ان تشكل بداية نقاش حقيقي إذا كانت النية موجودة:

- المثال الأول: إن من يراجع التاريخ على نحو استعراضي واكاديمي لا بد له أن يلمس كثرة التحولات التي جرت واثرت بشكل موضوعي في مجرى كثير من الأحداث المرتبطة، اما بتطور طبيعي يعود إلى الحاجة وإما بآخر "اصطناعي" يعود إلى تقلب السيطرة على البلدان والشعوب. على أن الثابت هو الحاجة والتغيير والمتحرك هو التناوب على السيطرة ولكن مع اسبقية أو افضلية اوروبية وهذا جلي ولن ندخل في نقاش الأسباب. إذن التاريخ البعيد والقريب يشهد للسيطرة الأوروبية على مسرح الأحداث أو لنقل على صناعتها. من هنا يمكننا فهم مدى انتشار الثقافة واللغة الأوروبيتين بتنوعاتهما في نواحي الأرض والمعمورة قاطبة. ان هذا الانتشار على مساحة التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة والعلوم وغيرها قد اعطى البعد الأوروبي آفاقا كبيرة وسيطرة طويلة ودائمة وهذا ما انعكس وبشكل كبير على مكانة الفرد الأوروبي سواء في تعاطيه مع الآخر أم في تفاعله مع القضايا المرتبطة بحياة الإنسانية. إن تطور وتبدل آليات وأشكال السيطرة الأوروبية لم يمنع من نمو وظهور وانتشار بعض الجوانب العنصرية أو الاستعلائية لدى الأوروبيين رغم محاولاتهم الدائمة لتغليب عامل المساعدة والمساهمة في التطوير على ما عداه، أقله في الخطاب السياسي. لن نذهب كثيراً في التاريخ وإنما سنأخذ منه القريب أي القرن السابق والحالي لتبيان اثر تلك السياسات والممارسات.

Pages