كتاب " جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟
قراءة كتاب جاك درايدا - ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
جينيالوجيا التفكيك المسار الإبستيمولوجي
والسياق المعرفيلاستراتيجية التفكيك
1 أولاً: التفكيكية نقد موجه للبنيوية
ظهرت التفكيكية كاستراتيجية جديدة للتعامل مع النصوص؛ إذ أخذت على عاتقها مهمة الارتقاء بالنقد، وتحقيق ما عجزت البنيوية عنه، وكدعامة أساسية لظهور التفكيكية قامت على نقدها للبنيوية، والوقوف على الهنات التي وقعت فيها. وبالتالي أرادت أن تحل محلها. لأن البنيوية «تطمح إلى تأسيس مذهب نقدي يعتمد في شرعيته على منهج علمي تجريبي» (10).
لكن قصور الآليات البنيوية على تصور مشروع كامل هو الذي شجع نخبة من المفكرين على هذه الثورة «فالتفكيكيون فعلا خرجوا من عباءة البنيوية لأن غالبيتهم بدأوا حياتهم كبنيويين، وحينما فشل المشروع البنيوي في تحقيق طموحاتهم في تقديم مشروع متكامل للتحليل تمردوا على البنيوية» (11) وبالتالي يكون هذا التمرد هو الذي فتح أمامهم أبواب التحول إلى مناهج أخرى «فبعضهم تحول إلى التحليل النفسي مثل لاكان وآخرون تحولوا إلى الفلسفة، والبعض الآخر تحول إلى دراسة فلسفة اللغة مثل دريدا» (12). وكذلك رولان بارت تنصل كلية من البنيوية ليتحول هو الآخر إلى مناهج عديدة، حيث عمل بنيويا، وتفكيكيا، وسيميولوجيا «ومن البنيويين الذين تنكروا للبنيوية بل عجلوا الدعوة إلى هدمها، والتخلي عنها جاك دريدا الذي هاجم ما فيها من تجريد، واختزال شكلي، وآنية ميتافيزيقية، وجوليا كريستيفا، ومجموعة (Tel Quel) التيدعت إلى سيميائية جديدة» (13).
ومن خلال ما تم ذكره نلاحظ أن بوادر التفكيك بدأت تظهر في أوج الأزمة البنيوية؛ حيث ظهرت العيوب النسقية التي وصلت إليها، وبذلك اتخذها روادها ذريعة للانسلاخ منها، والتجرد كلية منها إلى إنشاء إستراتيجية جديدة تساهم، وتمكن من قراءة النصوص لعلها تصبو إلى تحقيق ما عجزت البنيوية عن تحقيقه.
1 ثانياً: اعتماد التفكيك على الشك واليقين
أما ثاني هذه المرتكزات التي حددت مسار التفكيك اعتماده على الشك في نسف واقعية النصوص، والقراءات المقدمة لها «إنََّ إستراتيجية التفكيك تنطلق من موقف فلسفي مبدئي قائم على الشك، وقد ترجم التفكيكيون هذا الشك الفلسفي نقدا إلى رفض التقاليد، رفض القراءات المعتمدة، رفض النظام والسلطة من ناحية المبدأ» (14).
وبهذا يكون التفكيكيون قد أقاموا صرحا جديدا، واستحدثوا مسارا آخر في استنطاق النصوص؛ إذ بالتشكيك في أنسجة القراءات السابقة ودلالاتها، تنتفي المعرفة اليقينية الصحيحة. وهذا الشك ولَّد مرضا لا يمكن الشفاء منه في حدود تعبير هارولد بلوم (Harold Bloom)عنالتشكيكية بأنها: سقم لا يمكن الشفاء منه تماما؛ فكلما خرجنا من شك ندخل في شك آخر، وبالتالي نبقى ندور في دائرة مفرغة من الشك واللا يقين (15). فإحداثية "الشك واليقين" من أهم المرتكزات التي استند إليها التفكيك في قراءة النصوص «فالتفكيك إفراز عصر الشك الكامل الذي خيم على كل شيء فاستحالت معه المعرفة اليقينية، وفقد العالم محور ارتكازه» (16). وبهذا يكون العالم قد عرف دوامة كبيرة بين الشك واليقين، واليقين والشك، واللا شك واللا يقين... وفي الأخير لا يكون إلا الشك بعد أن كان اعتقادا جازما بأنه يقين. وهذا ما زُرع في النص حتى وُلد ما يعرف بالتفسير اللانهائي للدلالة وهي أمور تفسر لا نهائية الدلالة القائمة على استحالة المرجعية لأي سلطة خارجة ليست موجودة أصلا ونفي التفسيرات الموثوقة أو المعتمدة.
وبالتالي نسف الشك كل المعتقدات، والتفسيرات التي سبقته، وأتاح فرصا عديدة للعب الحر بالدوال على حساب المدلولات «إن التفكيك الذي أفرزه موقف شك كامل لا يثق في النسق باعتباره نظاما عاما يحدد طريقة أداء العلامات، ويعطي المدلول حرية اللعب الكامل منفصلا عن الدال، يبيح للقارئ أن يفسر العلامات بالمعنى الذي يشاء» (17).
إن الشك قد أحدث فوضى عارمة، وفتح جملة من اللاءات: اللاحقيقة، لا قصدية المؤلف، اللا يقين، لا نهائية الدلالة. وعلى إثر هذه الجملة عرف ما يسمى بـ: تعددية القراءة، وأصبحت كل قراءة تشكل إساءة قراءة، وفُتح الباب على مصراعيه للعب الحر، والمطلق بالمدلولات، وفسح المجال واسعا أمام التأويلات الكثيرة للعلامة.