كتاب " ليلة الإمبراطور " ، تأليف غازي حسين العلي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب ليلة الإمبراطور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ليلة الإمبراطور
وعدها بسيارة وأن يسجل باسمها عمارة
ورأيت فيما يرى النائم، أنه ما غربت شمس يوم الاثنين المصادف السابع من تشرين الثاني عام 1898 ميلادية عن دمشق، إلا وأنوار الطلعة الإمبراطورية قد حلّت محلها، فأُطلقت المدافع احتفاءً وتكريماً. وما إن خرج صاحبا الجلالة الإمبراطور الألماني ويلهلم غليوم وزوجته الإمبراطورة أوغستا فيكتوريا من مركبتهما في القطار حتى خفّ لاستقبالهما صاحبا الدولة العلية في جمهور غفير من الوزراء والأمراء والرؤساء الروحيين وتلامذة المدارس ومئات الألوف من خاصة الناس وعامتها.. فغصّت بهم الطرق والرحاب الفسيحة، وهم يرقبون قدوم الزائرين الكبيرين. امتطى صاحب الجلالة جواداً أشهب، وركبت صاحبة الجلالة مركبة بأربعة أفراس مترادفة، زوجين زوجين، بجِلالٍ ذات صفائح من ذهب خالص، وركبت إلى جانبها واحدة من نسوة الشرف، ما إن وقعت عيناي عليها من بعيد حتى هالني ما رأيت!! إنها سعاد بشحمها ولحمها، لكنها على غير هيئتها التي عرفت، وبدت لي وهي تجلس بمحاذاة الإمبراطورة، وكأنها أميرة من أميرات ذلك العصر. تبع المركبة وجواد جلالته مئات من المركبات تقل الحاشية ورؤوس القوم، فدخلا المدينة بين هتاف الداعين وأصوات الموسيقى الشاهانية الشجية، وكانت دمشق وهي على هذا الحال، تتلألأ بمصابيح وأنوار الزينة، فتجلّت للناظر وكأنها شعلة من نار. ولأنني من العوام وأرتدي قنبازاً متسخاً بالياً باهت اللون، فقد كنت أمشي مع الماشين، وأركض مع الراكضين، للنظر إلى الطلعة الإمبراطورية البهية... غير أني لحظتئذ، لم أكن أحمل من هم هذا الأمر شيئاً، وكل ما كنت أتمناه وأريده، أن أتأكد من أن الأميرة الجالسة إلى جانب الإمبراطورة هي نفسها حبيبتي سعاد، الموظفة في أمانة المحافظة. وفيما كنت أعدو على غير هدى، وقد أخذت مني الرعشة ثم الدهشة مأخذاً عظيماً، تعثرت بحجرٍ أسقطني أرضاً، وراحت الأرجل تدعسني دعساً، ولشدة الألم الذي ألمّ بي، نهضت من تويّ مذعوراً أنظر حولي وأتلمس جسدي، فإذا بي أجد نفسي مستلقياً على سريري في غرفتي، وأن ما كان لي مع ذلك الزمان الذي مرّ عليه نحو مئة عام، مجرد أضغاث أحلام أوجبتها قراءتي عن الرحلة الإمبراطورية في الممالك العثمانية، فتعوذت من شرور حكايات الكتب والكاتبين، ثم عقبتها بتلاوة سورة الفلق.. ونمت.
صباحاً، عند الثامنة تماماً، دخلت إلى رئيس البلدية وأخبرته بتنفيذ مهمتي، وأعلمته أن الكلاب التي نفقت على يدي بلغت سبعة جعاريات... فأثنى عليّ ووعدني خيراً بمكافأةٍ مجزية آخر الشهر.
فقلت له بعد أن شكرته: يا أستاذ.. بعض الناس يتكلمون علينا ويقولون إن قتل الكلاب حرام وإنه عمل غير إنساني.
قال: ومن هم هؤلاء الناس الذين يدوسون على طرفنا ويريدون أن يعلموننا الحلال والحرام؟
قلت: أنصار جمعيات الرفق بالحيوان.
قال: هؤلاء جماعة كلام بكلام.. لا تلتفت إليهم وانتبه إلى شغلك.
قلت:حاضر يا أستاذ.
ثم خرجت...
وددت، قبل أن أخرج من عنده، أن أقول له إن هنالك طرقاً أخرى نتخلص فيها من الكلاب الشاردة من دون بواريد وضروب ومشاكل مع الحلال والحرام وجمعيات الرفق بالحيوان. وكان سيقول لي: وما هي هذه الطرق يا فهمان يا مثقف؟ وكنت سأجيبه: هذه بسيطة يا أستاذ.. لقد قرأت منذ أيام مقالاً في الجريدة ينصح باستخدام الطعوم السامة المحشوة في رقاب ورؤوس الدجاج. وكان سيقول لي: وكيف سنعرف أنها ماتت يا فهمان؟ وكنت سأرد عليه: وهذه أيضاً بسيطة يا أستاذ.. نقوم بجولة صباحية ونلمّ ما نفق منها.. ثمّ كالعادة نحرقها ونطمرها. وكان سيقول لي ساخراً: هذه كلاب متوحشة يا حبيبي ولا تفهم إلا لغة البارود.

