كتاب " ليلة الإمبراطور " ، تأليف غازي حسين العلي ، والذي صدر عن منشورات ضفاف .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب ليلة الإمبراطور
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ليلة الإمبراطور
هذا الكلام يقال همساً في المكاتب وليس عند أهل الشأن والمناصب
ورأيت فيما يرى النائم، أنني وسعاد عاريان نتضاجع وسط حشد من الجمهور، وأن ابن عمها الضابط كان يؤلبهم علينا ويحثّ بعض الزعران على قتلنا. كان الجمهور غارقاً في حمى الغناء والرقص والسخرية، وكنت وسعاد نتلوى تحت وطأة آلام النشوة الجنسية. أشار ابن عمها الضابط إلى اثنين كانا يحملان مطرقة وعصاً خشبية مدببة، فشرعا يدقان العصا دقاً في جسدينا المرتجفين، على إيقاع صخب المغنين والراقصين وتعليقات الساخرين، حتى اخترقتنا اختراقاً كاملاً، ثم أخذا يشرعاننا في الهواء، ويتوجهان بنا إلى بركة ماء عكرة تتوسط ساحة فسيحة مشجرة. كنا لا نزال على قيد الحياة نتلوى من الألم، ونتعرض لهزء وإهانات الجمهور الذي كان يتبعنا، حتى أن بعضهم اقترب منا وراح يدوّر جسدينا حول العصا مثل مروحة معلقة على سقف، وهم غارقون في ضحك هستيري مجنون.
قلت لسعاد التي كانت تتمروح إلى جانبي والدم ينزف منها: ابن عمك هذا ليس لصاً فحسب وإنما دكتاتور وآكل للحوم البشر.
غير أن فمها الممتلئ بالدم، لم يكن ليساعدها للرد على كلامي، وبدت لي في دورانها ذاك، وكأنها كتلة من لحم لا حياة فيه.
عند وصولنا البركة، ونحن مخوزقان من وسطنا على العصا، صعقني ما رأيته من تماسيح عملاقة كانت تسبح في الماء العكر. ولم نكد نصبح لقمة سائغة في فكوكها القوية المسننة حتى بدأت الفقاعات بالظهور على السطح، تلتها غيمة حمراء قانية، ثم صمت مطبق... وعوم في فراغ أسود.
مرة أخرى، وقعت ضحية شرور الكتب والكاتبين، بعد قراءتي كتاب "التعذيب عبر العصور" لمؤلفة المدعو بيرنهارت ج.هرودد، الألماني الأصل، وأحد رعايا الإمبراطور غليوم، صاحب الطلعة البهية، الذي زار دمشق يوم الاثنين من شهر رجب عام 1316 هجرية.
اليوم عرفت، وبما لا يقبل الشك، أن وراء جفاء سعاد لي، هو ابن عمها الضابط الذي وعدها بسيارة وأن يسجل باسمها عمارة، وأن أمراً جللاً قد حدث من وراء ظهري جعلها تُغرق في هجري، ولعله هددها بالويل والثبور وعاقبة الأمور إن هي تزوجتني، فأذعنت المسكينة له، ليس خوفاً على روحها أن تُزهق، وإنما خشية عليّ من شروره ومكائده...
فقررت من توّي أن أخطّ لها رسالة، أشرح فيها موقفي مما يكون قد حصل لها، وأنني العبد لله، لا أخاف ابن عمها الضابط، مهما كانت عدد نجومه ونسوره ومواقعه، وأنني سأعتبره كلباً جعارياً، ولن يكلفني حينها سوى ضرب واحد من بارودتي بين عينيه حتى ينفق بين يديّ. وسأشرح لها فيما سأشرح، أنني أحبها حباً جماً، وأن طيفها الحبيب يلاحقني أينما كنت وذهبت، وأنها الملاك بلباس أبيض ناصع، والطير الذي كان ولم يزل ينشد الحب على أغصان قلبي، وأنني أنتظر اليوم الذي تكون فيه بين أحضاني، لأبثها لواعجي وأشجاني. ثم أناجيها قائلاً: أناشدك الله أن تترحمي على قلبي الذي لا يستحق كل هذا الجفاء.. فترفقي بمن أحبك وحنّ إلى لقائك.. وهاأنذا أبوح لك يا سعاد بحب قلبي الطاهر، فهل تستجيبين لندائه؟
قطع حبل تفكيري بسعاد رنين هاتفي الجوال...
- آلو..
فجاءني من الطرف الآخر صوت عبد الغفور مراسل البلدية يقول: مرحبا سعيد.
- أهلاً.
- تعال إلى البلدية حالاً .. رئيس المكتب الفني يريدك؟
- ربع ساعة وأكون عنده.. مع السلامة.
حينما دخلت إلى رئيس المكتب الفني، وجدت عنده حشداً غفيراً من المراجعين، وما أن سقطت عيناه عليّ حتى انتحى بي جانباً وقال لي: منذ ساعة اتصلوا بي من بلدية شبعا ويريدون منا خدمة بسيطة.

