كتاب " عروس عمان " ، تأليف فادي زغموت ، والذي صدر عن دار جبل عمان ناشرون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب عروس عمان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
عروس عمان
رنا : العقول أيضًا تصطبغ بالحب
كأنما هو مغناطيس يجذب نظراتي إليه أينما ذهب مهما حاولت مقاومة وجوده في المنطقة حولي. أعجبني أول ما وقعت عيني عليه، وزاد إعجابي به عندما جاءني الخبر عن طريق حياة أنه يبادلني الإعجاب، ويتمنى التعرف إليَّ.
كدت أطير من الفرحة إلى أن علمت أنه مُسلم. يتبع دينًا غير ديني في مجتمع يشرِّع العلاقة بين الجنسين فقط لأتباع الدين نفسه. حتى لو سمحْتُ لنفسي بأن أقع في حبه، وبأن أبني علاقة به فإنها ستكون حتمًا علاقةً قصيرة تنتهي بوجع قلبي وقلبه.
أنا من عائلة مسيحية محافظة من المستحيل أن ترضى بعلاقة كهذه.
لكنَّ جانتي لم يترك لي المجال. كان دومًا حولي في الجامعة. يحاول التقرب إليَّ عن طريق معارفي، ويرسل إليَّ رسائل إعجاب من ’’بعيد لبعيد‘‘. هو من أكثر الشباب وسامة في الجامعة. يعجبني سماره وطوله وطريقة ارتداء ملابسه. لم يكن ينقصه الأصدقاء الشباب، ولا الصديقات البنات، ولا كثر المعجبات.
أنا لم أكن جيدة في التقيد بالقوانين والأعراف. متمردة وعنيدة، لا أسمع سوى الصوت الذي في رأسي. أعمل ما أراه صوابًا وما يجعلني سعيدة. حتى لو كانت سعادةً آنية. بالتأكيد لم يكن ذلك سهلًا في مجتمع يقيِّد حرية المرأة بغض النظر عن دينها، ويفرض عليها دليل حياة يحدد معالم حركاتها، وتصرفاتها، وصفاتها.
ربما هي طبيعةُ شخصيَّة، أو لحقيقة أن أمي أجنبية، أو ربما هي خصوصية المجتمع المحلي للمدرسة الخاصة التي درست فيها. أستقبل رسائل متناقضة من حولي. كلٌّ يحاول أن يبني لي نظامي الأخلاقي في مجتمع مفصوم الشخصية، ذكوريِّ الهوية. وأنا أنثى كنتُ حينها أستقي من منهل موجة المساواة الجنسية والحريات الشخصية. أجمع التناقضات من حولي وأصهرها في بوتقتي الشخصية وأدمجها مع ما يمليه عليَّ عقلي وكياني.
اعتدت نظرات الحياء منه من بعيد، بينما أقف في ساحة كلية التجارة في الجامعة الأردنية مع ليلى وحياة. أحيانًا كنت أنسى نفسي وأنا أراقبه بدوري، فتعيدني من شرودي حياة بضحكتها وهي تقول:
’’ولك على مين عم تتطلعي؟‘‘
هما دون شكٍّ تعرفان ’’على مين‘‘، لكنِّي أخجل من تعليقاتهما، ومن ضبطي وأنا أراقبه.
أراه يدخل باب الكلية في طريقه إلى المحاضرة، فأسحبهما من ذراعيهما وأسرع بهما إلى المحاضرة.
في لحظة من اللحظات أوهمت نفسي أنه لا داعي للخوف من تعرفي إليه، وبأنه من الممكن لنا أن نطور علاقة صداقة بدل علاقة حب. رغبت في التعرف إليه عن قرب، وخفت من فقدان نظرات الإعجاب في عينيه.
في نهاية الأمر، كنت أنا من بادرت إلى التعرف إليه. وقع نظري عليه عندما دخلت قاعة المحاضرة. كان جالسًا في الصف الثالث وبجانبه مقعدان فارغان. أسرعت نحو المقعد الفارغ إلى جانبه وسألته بخجل إن كان المقعد محجوزًا لشخصٍ آخر. ابتسم وأجاب بالنفي. سحبتُ دفترَ حياة ووضعته على المقعد الآخر، وطلبت من ليلى أن تسرع لحجز المقعد الفارغ في الصف الخلفي.
همَّت ليلى بالاعتراض:
’’بس في ثلاث كراسي فاضية ورى‘‘
نظرت إليها نظرة تعني ’’بس برادة‘‘ وقلت:
’’خلص صرت قاعدة، ما راح أتحرك‘‘.
دقائق غريبة مرت ونحن جالسان إلى جانب بعضنا بعضًا في المحاضرة، غرباء ولكن، كأننا نعرف بعضنا منذ سنين.
يدق قلبي بسرعة كلما خُيِّل لي بأنه سيبدأ الحديث معي. يدق بسرعة أكبر كلما هممت أنا بالحديث إليه. أمنع نفسي في آخر لحظة، فكل ما يخطر في بالي يبدو تافهًا في هذه اللحظات، وأنا لا أريد أن أبدو تافهة في نظره.
علَّقَ هو تعليقًا واحدًا. لم أميِّز إن كان يوجهه إليَّ أم لا، ولم أفهم ما الذي عنته كلماته بالضبط، فهززت رأسي وابتسمت بصمت كالمغفلة!
ترددت بعد المحاضرة وأنا أتوجه نحوه. كان قد أشعل سيجارة ووقف وحيدًا قرب الشباك. قطعت نصف المسافة وكدت أن أغير رأيي، إلا أنَّ الأوان كان قد فات. فهو رآني متجهة نحوه وابتسم. تلبَّكت وكأنِّي أتكلم أول مرة في حياتي. بدأَتِ الكلمات تخرج من فمي بتباعد كأنها هي الأخرى ’’مستحية‘‘ بدورها، وتنتظر مَن يدفعها.
بحثت عن الكلمات المناسبة لأخرجها من حلقي، زيَّنتها وصبغتُها بنبرة صوت ليست دافئة أو باردة:
’’مرحبا، ممكن أستعير دفترك لأصوره، أنا ما سجلت كل إللي قاله الدكتور‘‘.
أجابني بابتسامة كبيرة. لحظتها شعرت بارتباكه هو أيضًا، كأنه غير مصدق ما يحصل معه. فالفتاة التي أعجب بها لشهور تتجه صوبه وتطلب منه دفتره بحركة عنت له بشكلٍ واضح بأنها تبادله الشعور نفسه بالإعجاب:
’’أكيد ممكن، إذا بتحبي بنروح بنصوره مع بعض؟‘‘
كمن يلعب بالنار، شعرت بالإثارة ممزوجة بالخوف. أقتربُ منه بحذر وأدرس خطواتي وكلماتي. كلما اقتربت شعرت بالدفء، وكلما شعرت بالدفء ازدادت حاجتي إلى الحرارة، كأنِّي قطعة ثلج تتوق إلى التبخُّر.
يومها، وفي طريقنا إلى غرفة التصوير، لم نُحسن استغلال الدقائق المعدودة في التقرب أكثر من بعضنا؛ فالحياء كان سيِّدَ الموقف. لكنَّنا استوعبنا أنه حتى لو فشلت أفواهنا في التكلم فإن قلوبنا كانت تسترسل في الحديث بلغتها السريَّة- لغةٍ تُرجمَت أصداؤها في تعابير وجوهنا وإشارات أجسادنا. وأيقنَّا بأن وجودنا قرب بعضنا بعضًا يُشعرنا براحة غريبة لم نكن ندرك وجودها من قبل.
لدهشتي وحين افترقنا بعد تصوير الأوراق، شعرت بصداع نفسيٍّ عنيف، كأنِّي أدمنت وجوده بجانبي من جرعة تخدير واحدة. وبتُّ ثملة، أترنح بين نفسٍ تتوق إلى أحضان رجلٍ ممنوع عليها، وجسد استنشقَ عبقَ الفِردَوس، وعقل يقود الاثنين بحكمة المنطق
أو هكذا اعتقدت في البداية، إلى أن وعيت أن العقول أيضًا تصطبغ بالحب، وأن المنطق يتلوى بحرارته ويتشكل بسلطته.