You are here

قراءة كتاب عروس عمان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عروس عمان

عروس عمان

كتاب " عروس عمان " ، تأليف فادي زغموت ، والذي صدر عن دار جبل عمان ناشرون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

الفصل الثاني
ليلى : مميزات أكبر كامرأة صالحة للزواج
لم تمض إلا أيام قليلة على تخرجي حتى بدأتْ أمي بالضغط علي للبحث عن وظيفة. لم يكن همها هو مستقبلي المهني أو الراتب الشهري الذي سيريحهم- على الأقل- من مصروفي، بل كان همها الأول هو أن أملك مميزات أكبر كامرأة صالحة للزواج.
ترى أن معظم الرجال المقبلين على الزواج هذه الأيام غير قادرين على تكوين عائلة بدخلهم الشخصي فقط، ولذلك فإن العديد منهم يتطلعون إلى زوجة تُعينهم وتتحمل معهم الأعباء المادية للعائلة.
من المضحك المبكي ما آلت إليه أوضاعنا نحن النساءَ في هذا المجتمع. حقنا في الخروج للعمل أصبح واجبًا علينا. واجبٌ لا يقلل أبدًا من الواجبات الأخرى التي اعتَدْنا تحمُّلها.
المرأة العاملة ما زالت ’’ ست بيت‘‘ أيضًا. أصبح متوقعًا منها الآن أن تدير بيتها، وتهتم بزوجها وأولادها وأن تجتهد في عملها- كل هذا في الوقت نفسه. مع أن الرجل اختزل دوره فقط في عمله وتوفير المال للعائلة. لا يعيبه اليوم أن تساعده زوجته في توفير المال بقدر ما يعيبه أن يشاركها أعباء المنزل وتنظيفه وترتيبه.
الرجل يتأهل لأن يكون عريس ’’ لقطة‘‘ إذا كان لديه عمل يدرُّ عليه دخلًا جيدًا. أما المرأة فيجب أن تكون جميلة، في عمر مناسب، ذات أخلاق عالية، ست بيت، تعرف أن تطبخ وأن تنظف، وأن يكون لديها شهادة ووظيفة أيضًا كي تتأهل لأن تكون عروسة.
كما أن الوظيفة يجب أن تكون مشروطة، فالمعادلة الاجتماعية لتعظيم فرصة المرأة بالفوز بعريس صعبة ومعقدة جدًّا.
مثلًا أختي سلمى أصابها الإحباط عندما حصلت على ترقية الشهر الماضي. توقَّعتْ أن يفرح لها الجميع وأن يقدِّروا لها إنجازها، لكنها صُدِمَتْ، كما صُدمتُ أنا، عند تخرجي بتفوق، من ردة فعل الناس. هي أيضًا فشلت في رؤية الصورة الأكبر، والهدف الأعظم ألا وهو الزواج! بدلًا من أن تهلَّ عليها التبريكات، انهالت عليها التنبيهات والتوبيخات. فبنظر الكثيرين كلما ارتقت المرأة بوظيفتها قلَّت فرصتها بالزواج!
أيُّ منطق هذا؟
إنَّه منطق أن الرجل الأردني ما يزال يرفض أن يتزوج امرأة لها دخل أكبر من دخله، وفي وظيفة أهم من وظيفته. عقدة التفوق. فالرجل ما يزال في وعينا الاجتماعي هو الأفضل، والمرأة تُحسَد وتُقدَّر فقط عندما يحالفها الحظُّ وتفوز برجل. الرجل هو سيد المنزل، وعلى السيد أن يمتلك مفاتيح القوة ومن ضمنها القوة الشرائية، حتى لو أصبح الأمر صعبًا على رجال هذه الأيام.
تفوقي في الجامعة سهَّلَ عليَّ كثيرًا العثور على وظيفة. كنت واثقة بأنِّي سأجد عملًا مناسبًا من دون عناء. كان الكثيرون من حولي يحبطونني بكلامهم عن الوضع الاقتصادي وانتشار الواسطة. ’’ما في حدى بشغل هالأيام‘‘. ’’إذا ما في واسطة، عمرك ما بتشتغلي!‘‘ لكنِّي لم أستمع لأحد. قرأت في أحد المواقع الإلكترونية عن كيفية كتابة السيرة الذاتية. كتبتها بنفسي وأبرزت حصولي على المرتبة الأولى على دفعتي في أعلى الصفحة. أرسلتها إلى عدة جهات. لم يمض سوى يومين حتى بدأَتِ الشركات بالاتصال بي لترتيب مواعيدَ للمقابلات.
أعجبتني فرصةُ عملٍ في أحد البنوك- وظيفةٌ محترمة للمرأة. بيئة عمل مناسبة وساعات عمل جيدة. وظيفة تُغذِّي متطلبات المجتمع في امرأة عاملة وربة بيت في الوقت نفسه.
باركَتْ أمي الموضوع، وافتخرت بي بين صديقاتها.
لم أكن أعرف ماذا عليَّ أن أتوقعَ في أول يوم عملٍ لي، فأنا لم أعمل في أي مكان من قبل. شعرت بحماس ممزوج بالرهبة والوحدة. غريبةٌ في نظام يضمُّ مجموعة من الناس تعرف ما عليها أن تعمله، وتتحرك بطريقة مدروسة متفق عليها ومعتادة. أنا أصغرهم. أراقب الجميع، أراقب خطواتي، وأحاول أن أستوعب ما يُمليه عليَّ رئيسي في العمل.
رجل في منتصف العمر، قصير القامة، أبيض الشعر. ينادونه ’’أبو عصام‘‘. أنا أتحاشى أن أناديه، فعادة أخاطب من هم بعمره بعبارة ’’عمو‘‘. لكنِّي اليوم في بيئة مختلفة، بيئة عمل، و’’عمو‘‘ قد تكون غير مناسبة. كما أني أخجل أيضًا أن أناديه ’’أبو عصام‘‘.
أبو عصام لم يكن يعرف الخجل. لم يكن يخجل من منصبه، ولا من عمره ولا من فارق السن بيننا ولا حتى من حقيقة أن ابنه عصام في عمري.
كان يتمادي بالنظر إليَّ. ينظر إليَّ بطريقةٍ غريبة تشعرني بعدم الارتياح. لم أشأ أن أفسِّر نظراته بطريقةٍ خاطئة أو أن أسرع في الحكم عليه. لكنَّ نظراته كانت تُربكني فتدفعني للاستعجال بالخروج من مكتبه. ارتباكي يجعله يبتسم ويسلِّط نظره نحوي. لربما أثاره شعوري بعدم الارتياح، أو ربما فسَّره عقلُه بطريقة أُخرى كإشارة خضراء لمتابعة فريسته.
يرسل إليَّ رسائل متناقضة. أحيانًا يعاملني كابنته ويأخذ دَور الأب، وأحيانًا أخرى ينتهز فرصةً أكون تخلَّيت فيها عن دفاعاتي ليَمدَّ يدَه ويلمسني. يحاول أن يجعلَها تبدو عفوية، فعمره يساعده على تغليفها في إطار الأُبوَّة، لكن جسمي ينتفض لأنه يشعرُ بنيَّته، ويتفاجأ من تماديه. يعتقد أن سُلطته تحميه وتحلل له التمادي في التحرش بي، فلا ييأس أو يتوقف.
احترت في كيفية معالجة الأمر. هذا أول عمل لي، وهذه أول مرة أجد نفسي في موقف مُهين لا أجدُ مخرجًا منه. أحاول صدَّه وتجاهُلَ الأمر لكنَّه يستمر في التمادي.
لا أستطيع تصعيد الأمور في البنك؛ لأن سمعتي على المحك. فهو رجل ومهما حصل يبقى رجلًا ولن يُحكَم عليه بالقساوة التي قد يُحكم عليَّ بها، حتى إنْ كنت أنا الضحية، وإنْ كان كياني هو ما يُنتهَك.
هل أُخبرُ أبي؟ هل أُخبرُ أخي؟ هل لي أن أخاطر بمصيبة أكبر قد أخسر فيها أقرب الناس إليَّ، وأجرُّ عائلتي كلها إلى مشاكل هم في غنًى عنها؟
اعتدتُ أن أعدَّ الساعات للعودة إلى البيت. اعتدتُ أن أضع يدي على قلبي قلقةً كل صباح. أترقب بحذر خطوات أبي عصام، مستنفرة كقطة محشورة في زاوية تتطلع بهلع إلى اقتناص فرصةٍ للهرب. أغير من طريقة لبسي، فأحاول ألَّا أتأنق كثيرًا. أستبدل بالتنورة التي تظهر أسفل ساقي أخرى أطولَ منها.
أفكر بالحجاب كمحاولة يائسة لحماية نفسي، فهنالك من الرجال من يحكم على المرأة من لباسها، وقد يكون أبو عصام قرأ في لباسي ما يدعوه للتمادي معي. في الحقيقة، أنا ومنذ مدة ليست بقليلة مترددة في موضوع الحجاب. أحاول التزامَ تعاليم ديني وتطبيقَ فروضه وواجباته. أومن بأن الحجاب واحدٌ منها. أجد راحةً في الصلاة، كما أني اعتدتُ الصيامَ منذ طفولتي، لكنِّي أخافُ الحجاب.
رغم إيماني بوجوبه فهو ليس بالأمر السهل. قرارٌ كهذا لا رجعة فيه، أبديٌّ كالزواج. يؤثر في كل نواحي حياتي وفي الطريقة التي يراني بها الناس وأرى بها نفسي.
أغلقُ باب غرفتي. أُخرج قطعة قماش وألفها حول رأسي. أنظر في مرآتي وأسألها:
’’أما زلتُ حلوة؟‘‘
يردُّ عليَّ أنفي. يبدو أكبر من العادة وكأنه احتلَّ مساحةً أكبر في وجهي. أشعر بالرهبة. أضع قطعة القماش جانبًا وأفرد شعري على كتفي. أحمل فرشاتي وأمررها بنعومة بين خصلات شعري. أعامله بلطف وأحافظ عليه، فهو يتوج أنوثتي بلونه وتموجاته.
حالي حالُ جميع النساء، أحب أن أبدو جميلة. أحب أن أشعر بأنوثتي وأقرأ نظرات الإعجاب بين الناس.
لم أكن يومًا ذاتَ مواصفاتِ جمالٍ خارقة، لكنِّي تعلمت، مع الوقت، كيف أهتم بشكلي لأبدو أجمل وأكثر أنوثة. شعري هو أهم أسلحتي، فتسريحة خفيفة تجعلني امرأة أخرى، وتُشعرني بشيء من الفرح.
أنا في نهاية الأمر امرأة تحب أن تظهر جميلة. شعر رأس المرأة من أبرز علامات جمالها. أخاف أن يأكل الحجاب من شكلي ويُظهرَني أقل جمالًا. أخاف أن يقلل أيضًا من فرصتي بالزواج.
في السابق قررتُ تأجيل موضوع الحجاب إلى ما بعد الزواج، لكنِّي اليوم أعيد التفكير؛ فلربما كانت تجربة أبي عصام هي امتحان من الله أو هي عقاب أو إشارة لي لتذكيري بأهميته وخطورة تأجيله.
أواجه اليوم قرارًا صعبًا، من أصعب القرارات في حياتي وأكثرها تأثيرًا.
فاتحت أمي في موضوع الحجاب. احتجت إلى دعمها في قرار صعب كهذا. لكنها فاجأتني بردة فعلها وبمعارضتها الشديدة. توقعتُ منها أن تفرح لإقدامي على خطوة طالما فكرتُ فيها وقلَّبتُها في عقلي. توقعت أن تضمني إلى صدرها وتهنئني بالقرار الصائب. توقعت أن تزغرد وتفتخر بالتزامي الديني بين صديقاتها.
فشلتُ مرةً أخرى في قراءة عالمها وطريقة تفكيرها. هي أيضًا تحمل همِّي. هي أيضًا مسؤولةٌ عن تزويجي. فشلي هو فشلها وخوفي هو خوفها. أو ربما العكس أصح؟ خوفها يخيفني وفشلها يدفعني إلى الفشل.
تلوم نفسها وتشعر بالتقصير مع سلمى فتحاول أن تعوض ذلك بي. تخاف أن يقلل الحجاب من فرصتي في الزواج أيضًا، فتطلب مني تأجيله.
كدت أن أخبرها بتحرشات أبي عصام لكنها سبقتني بخبر العريس.
شاب من أقارب أم محمد جارتنا يبحث عن عروس. فاتحتْ أمُّ محمد أمي بالموضوع، وحدَّثتها عن الشاب وعن وضعه الاجتماعي والمادِّي. عائلة محترمة ذات وضع اجتماعي جيد، لديهم مصنع أغذية يديره الشاب مع والده وأخويه. هو أكبر إخوته. أكمل دراسته في إنكلترا ويبحث اليوم عن بنت حلال ليستقر ويكوِّن عائلته.
بالتأكيد أنا هي بنت الحلال موضوع النقاش هنا. بنت الحلال التي عليها أن تجهِّز نفسها وتتحضر لزيارةٍ من الشاب وعائلته لفحصها وتقدير مقدار ’’الحلال‘‘ فيها.
عليَّ أن أتزين وأبدو بأبهى صورة أنا وعائلتي كي نُعجِبَ العريس وعائلته. أمي تعدد محاسني وتبالغ في مدحي، أمه تقوم بالأمر نفسه حوله. تركز أمي على جمالي وأخلاقي و’’شطارتي‘‘ في إدارة الأمور المنزلية، بينما تركز أمه على ممتلكات العائلة، وشهادة الشاب، وعمله ومستقبله.
عليَّ أن أُحضِرَ القهوة وأجلس بحياء بينما تتبادل العائلتان أطراف الحديث. أتابع تراشُق الكرة بين لاعب وآخر بصمت أحيانًا واستغراب في أحيان أخرى. أكون أنا الكرة في كلامهم، يعرُّونني ويشرحونني كما يحلو لهم. فريق يرسل والآخر يستقبل. أهز أنا رأسي من حينٍ إلى آخر. أرسم ابتسامةً على وجهي أبسطُها كلما قابلَتْ عيناي عينَي أحد الحضور.
أوافق على كل ما تقوله أمي حتى لو كنت أحسبها في كثير من الأحيان تتكلم عن شخص آخر يحمل اسمي ومميزات خارقة أخرى لا تمتُّ لي بِصِلة. تبهِّر القصص وتملِّحها فتصبح أكثر إمتاعًا للسمع، تصلح لتُكتب كقصص خيالية قد أستمتع بها أنا نفسي لو أنِّي لم أكن بطلتَها.
تعبت من هذا السيناريو المتكرر. هذه ليست أول مرة أتزين وأعرض نفسي فيها.اعتدتُ أن يطرق باب دارنا عريسٌ بين فترة وأخرى.
منذ سنوات وأنا أتابع عرسان سلمى، وأتابع اعتراضها ونفورها من هذه المواقف.كانت ترفض هذه الطريقة التقليدية للزواج. تشعر بالإهانة وقلة القيمة في عرض نفسها للناس ليقرروا إن كانت جيدة أم لا. شعرت بالشعور نفسه مرارًا وتكرارًا. حاولتُ الاعتراض كل مرة ولكن أمي لم تترك لي المجال. تعطي الناس موعدًا وتضعني تحت الأمر الواقع.
يمتد الضغط النفسي والعصبي لأيام بعد زيارة عائلة العريس. تستعمل أمي أسلوب الترغيب والترهيب لإقناعي به بغضِّ النظر عن تقبُّلي له. ترفض أن أحكم عليه من أول جلسة وتصر على أن أتعرف إليه أكثر وأعطيه فرصة. تعدِّد محاسنه كما ذكرتْها أمُّه، وتشدد على وضعه المادِّي والحياة الرغدة التي قد أعيشها معه. أصر على رفضه وعدم تقبُّلي له، فتُظهر وجهها الآخر. تحمل اللون الأسود وتبدأ بتلوين ملامح مستقبلي. ترسم خطًّا أسودَ يحدد ملامح طموحي الوظيفي في بؤرة التعب والإجهاد. ترسم خطًّا آخر يلعب على وتر الوحدة وحاجتي إلى الحب والعائلة. تتابع الرسم مع إصراري على الرفض. تشعر بأن حبر قلمها على وشك أن يجف فتخرج كل ما في جعبتها، وترسم بطاقةً سوداء كبيرة تكتب عليها كلمة ”عانس“ وتُشهرها في وجهي.
أتفهم مدى قلقها علينا أنا وسلمى. أتفهَّم ضغطها علينا لقبول الفرص التي تطرق باب بيتنا. لكنِّي لا أستطيع إجبار نفسي على قبول شخص يرفضه قلبي وكياني. لا أستطيع أن أعطيه فرصة بغضِّ النظر عن كل ما يملكه من صفات حسنة ومميزات مادية ومعنوية.
كيف لي أن أعيش مع شخص لا أحبه؟ كيف لي أن أكرس حياتي لرجل لا يعني لي شيئًا؟
شيئًا؟
لا تقنعني أبدًا مقولة إن الحب يأتي بعد الزواج. ربما تُناسب نساء أخريات لكنَّها لا تناسبني أنا. أحاول أن أستمع إلى أمي وأن أفكر في كلامها، لكنَّ الضغط النفسي يُنهكني ويكبِّل مقدرتي على التفكير واتخاذ القرار.
كان يومًا صعبًا في العمل. تغيرت معاملة ’’أبي عصام“ لي لتمنِّعي عليه، فأصبح يعاملني بجفاء ويتصيَّد الفرصَ لإظهار أخطائي ثم معاقبتي. أنا أيضًا كنت شاردة الذهن أفكر في كلام أمي والفرصة الذهبية الواجب اقتناصها- حسب تعبيرها- فوقعت في أخطاء حسابية فادحة.
كدت أنهارُ تحت الضغط فانفجرت بالبكاء. تمالكت نفسي مع دخول علي المكتب.كفكفت دموعي ورسمت ابتسامة على وجهي وحيَّيته بنبرةِ صوتٍ حاولت أن أجعلها مرحة.
لم أتمكن من إخفاء حزني أمامه، قرأه في تعابير وجهي وفي سطور عينيَّ الحمراوَين.
الحقيقة هي أنِّي قصدت ألَّا أُخفي حزني بشكلٍ كامل عنه، ربما لأنِّي، وبلا وعي، كنتُ أتوق إلى كسب عطفه، كما كنت أحلم بالتقرب إليه.
علي هو أحد عملاء البنك العراقيين. يزورنا بين فترة وأخرى لمتابعة معاملاته وحساباته البنكية. نمَّينا ما يشبه الصداقة خلال زياراته المتكررة إلى البنك في الأشهر الماضية. يحدثني عن همومه وحنينه إلى الحياة في بغداد، وأحدثه عن همومي وأحلامي وحياتي في عمان.
أصرَّ أن يعرف سبب انزعاجي. حاولت التهرب، فألحَّ عليَّ. قال إنه لا يحب أن يراني حزينةً بهذا الشكل، وإن دموعي تحزنُه بشدَّة. تأثَّرت من قلقه تجاهي، ففتحت له قلبي وشرحت له الموقف بطريقةٍ حاولتُ أن تكون موضوعية.
كنت أكلمه وأبعدُ صورةٍ في خيالي هي صورةٌ أكون فيها الأميرة الحالمة، ويكون هو الفارس فوق الحصان. أحلامُ يقظةٍ جميلةٌ رافقتني طوال الأشهر الماضية. تخيلته فيها رفيقًا، زوجًا وحبيبًا. بنيت قصورًا في الهواء لحياةٍ عكستها من روايات رومانسية كنت قد قرأتها في أيام مراهقتي.
كم تأملت أن تأخذ الأمور بيننا منحًى آخر وأن يصرح لي بإعجابه بي! كم تمنيت أن نتبادل الأدوار فأكون أنا الرجل لأصرح له عن حبي له!
لو كنت أنا الرجل، لتركت دفة القيادة لقلبي وأطلقت العنان للساني ليعبِّر عما في داخلي تجاهه من مشاعر وأحاسيس. لكنِّي المرأة، تلك المرأة التي تراوغ وتصبر على أمل أن يفهم الإشارات الناعمة التي ترسلها. تلك المرأة التي تشق بابها بحياء لكي لا تُترجَم على أنها رخيصة وبلا قيمة.
وكأن قيمتي تكمن في بيعي لمن يطلبني، فتقل عند عرض نفسي وإظهار رغبتي.
لكن اليوم لم يعد هنالك وقت للإشارات ولا للصبر ولا الصلاة. اليوم أضعه تحت الاختبار، وردة فعله قد تقتل كل أحلامي وآمالي، فأعود بأدراجي إلى أمي وأخبرها بموافقتي على عريسها.
تركت دموعي تسقط فلم أميز الواقع من الخيال عندما رمى لي حبل النجاة ونطق بالسؤال:
”ليلى، تتزوجيني؟“
 

Pages