كتاب " عروس عمان " ، تأليف فادي زغموت ، والذي صدر عن دار جبل عمان ناشرون .
ومما جاء في مقدمة الكتاب :
You are here
قراءة كتاب عروس عمان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
![عروس عمان عروس عمان](https://files.ektab.com/php54/s3fs-public/styles/linked-image/public/book_cover/jabal1f.jpg?itok=fBu4gebs)
عروس عمان
حياة : هل أخذ أبي عذريتي؟
دخل غرفته وأغلق الباب خلفه. لم ينطق بأية كلمة طوال الطريق. بدا كأنه مصدوم من فعلته بقدر صدمتي أنا. أما أنا فكنت أرتجف بشدة وكأن جسدي مسَّه الجنون، فلم يكن يهدأ من الحركة.
كان أول ما فعلته أنني دخلت إلى الحمام. شعرت بأنِّي وسخة جدًّا، أحمل كل قاذورات العالم على جسدي. رائحته النتنة ترافقني، تَلبَسُني، وتُشعِرُني بالغثيان.
تعرَّيت تحت الماء البارد لأتخلص من آثاره. تعاونَتْ قطراتُ الماء مع ارتعاشات جسدي لطرده، ولكنه ظلَّ ملتصقًا بي كظل عفريت استوطن جسد ضحيته. ظللتُ أشعر به وكأنه ما زال في داخلي، يأبى أن يرأف بي ويتركني.
فركت جلدي بقوَّة. استعملت الليفة الخشنة لعل خشونتها تمحو آثارَه في مسامات جلدي. أعدتُ فَرْك المنطقة نفسها مرارًا وتكرارًا حتى أصبح لونها أحمر كلون الدم. بدأت شقوق جديدة تظهر على جسدي غير تلك التي أصابني بها. شقوق جديدة لها طعم آخر. أردت لآلامها أن تغطي على الشقوق الأخرى لعلها تمسح من ذاكرتي حقيقتها البشعة. اصطبغ الماء بلون الدم الأحمر. امتزَجا، فسيطر احمرارُ الدم على شفافية الماء. يكمل الشيطان رسم مشهد نقله صورة من الجحيم، أكون أنا بطلته. يعبث بفرشاته فتتراءى لي حقيقة لم أكن قد استوعبتها بعد. سقطت بعض الدماء من بين فخذي فضحك الشيطان. اكتملت لوحته وجلجلت ضحكته يومَ سطَّرَ سؤالًا لم يقوَ عقلي حتى على حمله.
هل أخذ أبي عذريتي؟
مرَّ السؤال خلسة في مخيِّلتي، فأصابني برعبٍ فاقَ كل ما مررت به تلك الليلة.
طرقتُ رأسي في الحائط بقوة مرة وأخرى وأخرى، أحاول طرده من رأسي. مجرد التفكير في السؤال كان كفيلًا بدفعي إلى الجنون. خرج من حَلْقي نحيب مخيف، وأنا أخبط قبضة يدي على جدران الحمام.
’’لااااااء لااااااء بابا... لاااااااء‘‘.
للحظات كدت أسقط وأغيب عن الوعي. خرج من عقلي صوتٌ آخر اتخذ زمام الأمور. لعن السؤال وأخرجه من مخيلتي. حبسه في منطقة يعبرون عنها بعبارة” اللاوعي‘‘، أرتعد بمجرد المرور بجانبها لِما تحمله من مآسٍ دفنتُها فيها طوال السنين الماضية. اعتدتُ خروجَ ذلك الصوت في أحلك الأوقات، واعتدتُ دفنَ أحداثٍ في حياتي.
أرضى بماض مليء بالثقوب السوداء، لعل نفسي المتهالكة تكمل المسير.
بعد الحمام غطَّيت نفسي بعدة طبقات من الملابس، كأنِّي أردت دفن جسدي بعيدًا عن أيدي أبي. أردت دفن جسدي بعيدًا عن إحساسي به وإحساسي بوجوده. لا أريد جسدًا، لا أريد لحمًا، ولا أريد دمًا. دخلتُ فراشي ودفنتُ نفسي تحت طبقةٍ أخرى من الأغطية لعلها تغلِّفني وتبعدني عن هذا العالم. حاولت النوم، ولكنَّه جافاني.
اعتادت مخاوفي المدفونة أن تظهرَ دومًا في ذلك الوقت من الليل. هي اليومَ أقوى من أيِّ يوم مضى. كشَّرتْ عن أنيابها وحملَتِ السؤال المرعب مرة أخرى. ظهر أشدَّ وضوحًا الآن:
’’هل أخذ أبي عذريتي؟‘‘
كان عليَّ أن أواجه ذلك السؤال، ولكنِّي لم أكن أقوى على حمل نتيجته. قررت أن أقطع الطريق على مخاوفي وأخلق حقيقةً جديدةً قد تدفن شكوكَ نفسي. هنالك طريقة وحيدة لحل الأمر، فأنا لن أترك عذريتي لأبي مهما علت الأصوات في داخلي.
قيس هو طوق نجاتي، سأهديه عذريتي لأحافظ على ما تبقى لي من عقل.
امتدت يدي لتمسك هاتفي المحمول من فوق الكومدينة جانب تختي. طبعَتْ أصابعي حروفَ خلاصي في رسالة نصية وصلَتْ هاتفَ قيس:
”قيس، احجزلنا غرفة في أوتيل بكرة. أنا جاهزة لكل شي بدك ياه مني...“.