You are here

قراءة كتاب أحاديث في التربية الموسيقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحاديث في التربية الموسيقية

أحاديث في التربية الموسيقية

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 4
التربية الموسيقية من العصر الوسيط إلى القرن العشرين
 
من العصر الوسيط (768-814م) حتى القرن السادس عشر
 
في عام 313م أصدر الإمبراطور قسطنطين (272-337م) مرسوم ميلانو الذي سمح بموجبه بممارسة الشعائر الدينية، ويسّر هذا الأمر انتشار المسيحية. ومنذ القرن السادس الميلادي بدأت الموسيقى تحتل مكانتها في إقامة الشعائر الدينية المسيحية على يد الرهبان سدنة الكنائس؛ موسيقى تسمو بروح المؤمنين تصاحب صلواتهم. اقتصر دور الموسيقى على دور العبادة وطقوسها خدمة للدين المسيحي. ولم تخرج الموسيقى من الكنائس وطقوسها إلاّ في القرن الثامن عندما شجّع شارلمان (742-814م) تعلّم الموسيقى الدنيوية وممارستها خارج حرم الكنائس، واستقدم لذلك معلمين من روما، فنشأ بذلك تعليم موسيقي خارج جدران الكنائس والأديرة.
 
في بداية القرن الحادي عشر الميلادي، أسس داريتزو d'Arezzo (975-1040) قواعد الموسيقى ومبادئها في كتاب أصبح مرجعاً في مدارس أوروبا كلها وفي مراكز التعليم فيها.
 
كان الأطفال يتعلمون الغناء في الجوقات إضافة إلى تعلمهم المعارف والعلوم والديانة بهدفٍ وحيد هو المشاركة في طقوس الصلوات الكنسية في الكاتدرائيات. وأسست حول تجمعات الكنائس الكبيرة مدارس لتعلم الموسيقى Schola Cantorum، ومدرسة الغناء هذه كانت تعلم الأطفال فن الطقس الغنائي الكنسي بطريقة التلقين والمحاكاة والتقليد الشفاهي العملي معتمدةً بذلك على الذاكرة النضرة دون الخوض في تلقينهم معارف نظرية.
 
شيئاً فشيئاً ومع مرور الزمن وتراكم الخبرات والمعارف الموسيقية وصقلها وتهذيبها وتطويرها تحولت هذه المدارس إلى معاهد تعليم موسيقي شكلت بداية ما يمكن أن نسميه مع بعض التجاوز طليعة مدارس التربية الموسيقية. وقد استمرت هذه الطرائق التأهيلية "التربوية" حتى مطلع القرن الثامن عشر. وعلى التوازي أفسحت جامعات ذلك العصر، بعد أن شهدت تطوراً في مواد تدريسها، مكاناً للموسيقى في قاعاتها الدرسية، لكنها لم تكن تعتبرها علماً وإنما كانت تدرسّها وتحللّها من باب علوم الرياضيات.
 
ومن باب الحرص والأمانة علينا ألاّ نبخس معلمي الموسيقى في العصور الوسطى حقهم فلهم يعود الفضل بتعليم هذا الفن الذي كان قائماً على اكتساب المعرفة الموسيقية بالمران والتلقن السمعي بما يمكن أن نسميه إن جاز لنا التعبير بالثقافة السمعية الاستماعية للموسيقى؛ لتعليم المريد حسن الاستماع والغناء، مدخلاً لاكتساب المعارف الموسيقية النظرية. تبدأ هذه العملية من التوعية السمعية سعياً لتطوير ثقافة الطفل ومعرفته، وهي تعد اليوم إحدى دعائم التربية الموسيقية الحديثة.
 
عصر النهضة (1453- أواخر القرن السادس عشر)
 
مع بداية عصر النهضة في أوروبا حلّ المكتوب مكان المنطوق وانحسر عصر التعليم الموسيقي الشفاهي القائم على المحاكاة والتقليد والتكرار والحفظ. ففي عام 1498، بدأ الإيطالي بيتروتشي Petrucci (1466-1539) بطباعة أول مناهج موسيقية وصولفيج في تاريخ الموسيقى. هذه النقلة النوعية المهمة في تاريخ التربية الموسيقية ترسّخت وتقدمت ببطء في أول عهدها، لكن تعليم الموسيقى وتعلّمها أفاد منها كثيراً. المناهج الموسيقية الأساسية الأولى والمقالات النظرية الأولى التي دُبّجت فيها باللغات المنحدرة من اللاتينية كالفرنسية والإيطالية والأسبانية، والتي كانت تعد لغة العوام والدهماء، استهدفت جمهوراً من اليافعين الراغبين بتعلم الموسيقى. ولم تعد هذه البحوث مقصورة على العلماء، بل أصبحت في متناول كل راغب في المعرفة والإطلاع (*).
 
هذه التآليف النظرية الموسيقية التي استعرضنا بعضها في عجالة تدلّل على أن عصراً جديداً قد بدأ فعلاً في تعليم الموسيقى وتعلّمها. فلم تعد المقالات تكتب باللاّتينية، لغة الخواص من أهل العلم والمعرفة واللاهوت وإنما أصبحت تكتب باللغات اللهجات المنحدرة عن اللاّتينية والتي كانت شعوب أوروبا الغربية ترطن بها في حياتها اليومية. هذه اللغات "السوقية" لغة العامة والدهماء أصبحت الحامل اللساني الدلالي المعرفي لشرائح المجتمع: لقد دخل العلم عصره الديمقراطي. وقد جعلت وفرة المناهج التعليمية الموسيقية وكتبها من العملية التربوية الموسيقية عملية كتابية بعد أن كانت شفاهية حفظية.

Pages