You are here

قراءة كتاب أحاديث في التربية الموسيقية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أحاديث في التربية الموسيقية

أحاديث في التربية الموسيقية

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
القرن السابع عشر
 
في مطلع القرن السابع عشر نحت الموسيقى منحى التخصص: أفسح اليسوعيون في جامعاتهم مكاناً للموسيقى، لكن التأهيل فيها كان بحثياً أكاديمياً. أما فيما يتصل بالمقالات التي كانت تدبَّج في هذا القرن السابع عشر فقد كان طابعها فلسفياً، وكانت تقتصر على عرض مبادئ الصولفيج. وكانت هذه البحوث شديدة التعقيد مستغلقة على غير المتخصص مملة في عرضها وشروحها، قرّاؤها من أهل المعرفة والاختصاص. مؤلَّف فريد لعله أن يكون وحيداً كتبه جاك كوسّار J. Cossard في عام 1631 عنوانه: منهج لتعليم قراءة الموسيقى وتدوينها وغنائها. ولم يأت المؤلّف فيه بجديد لكنه فكّر بداية بالطفل متعلم الموسيقى وجهد في تصنيف وتبويب تعليم الموسيقى وطرائقها، والتي كانت رائجة سائدة وقتئذٍ، تصنيفاً واضحاً منهجياً. وقد أضاف كوسّار عليها شروحات وتعليقات مهمة تتصل بالتربية عموماً وبعلم نفس الطفل أوما كان معروفاً منه في زمانه. وقد أشار إلى ضرورة أن يبدأ الطفل عهده بالموسيقى منشداً ومستمعاً ذكياً. ولا يبدأ الطفل درس نظريات الموسيقى والصولفيج إلاّ بعد إعداد سمعي استماعي حسّي موجّه طويل. ولم تفقد هذه الطريقة ألقها وطرافتها وصدقيتها حتى اليوم رغم مرور قرنين من الزمان تقريباً عليها. ولم يكن كوسّار التربوي المجيد الوحيد في زمانه وإنما كان هناك أيضاً الأب مرسين الذي كتب عام 1636 كتاباً بعنوان: الهارموني الكوني. ونُشِرَ كتاب آخر عام 1661 عنوانه: آراء طريفة في جيّد الغناء وخصوصاً ما يتصل منه بالغناء بالفرنسية كتبه دوباسيلّي De Bacilly (1625-1690) وما زال كتاب باسيلّي هذا وكتاب الأب مرسين معاصريَن من حيث أفكارهما الطليعية التي جاءا بها كليهما عمادهما الثقافة الاستماعية والغنائية عند الطفل. وقد شجع الملك الفرنسي لويس الرابع عشر (1638-1715م) في القرن السابع عشر تطور فن الغناء الدنيوي إلى جانب التعليم الموسيقي الكنسي.
 
القرن الثامن عشر
 
شهد هذا القرن ظهور مؤلفات تربوية موسيقية تقنية تؤكد على تدريس وتجويد الأداء التقني العزفي عند الموسيقيين، لكنها لم تضف جديداً فيما يتصل بالتربية الموسيقية. تصدرت إيطاليا في القرن الثامن عشر أوروبا في ميدان التأهيل الموسيقي بإنشائها مراكز مهمة نذكر منها معهد موسيقى (لا بييتا) في البندقية الذي كان يدرس فيه الراهب الأصهب أنطونيو ڤيڤالدي العظيم A. Vivaldi ( 1678-1741)، الفتيات اليتيمات واللقيطات اللواتي تعهدتهن الراهبات بالعناية والرعاية والتعليم. كما ظهرت في نابولي وباليرمو معاهد مثيلة. وقد حذت فرنسا في عام 1780 حذو جارتها إيطاليا في هذا فأنشأت المعهد الوطني للموسيقى في باريس الذي كان نواةً لما أصبح فيما بعد في عام 1795 المعهد العالي للموسيقى في باريس. وإثر أحداث الثورة الفرنسية الدامية التي اندلعت عام 1789 تأثرت المؤسسات الموسيقية وتراجعت وتوقف تطور التربية الموسيقية، وظلت الموسيقى مقصورة على جمهور محدود نخبوي. وبعد فترة ركود تأسست معاهد موسيقية وانتشرت الأمر الذي سهّل انتساب الأطفال واليافعين إليها. وأحدث المعهد العالي للموسيقى في باريس فرعاً له في الأقاليم ليلبي ازدياد الطلب على تعلّم الموسيقى.
 
القرن التاسع عشر
 
في بداية القرن التاسع عشر بدأت الموسيقى تتغلغل شيئاً فشيئاً في حياة عامة الناس لتدخل الأوساط الشعبية بعد أن كانت حكراً على أهل البلاط وطبقة النبلاء في مناسباتهم المختلفة. وكان الموسيقي في الماضي يعد أحد طواقم الخدمة شأنه شأن الحوذي والطباخ إلى أن أتى العظيم بيتهوفن (1771- 1827) ليغيّر هذا الوضع. في باريس، وعلى التوازي مع المعهد العالي للموسيقى فيها أُحدثت مدارس خاصة لتعليم الموسيقى عالية المستوى الفني فاعلة على المستوى الاجتماعي التربوي فتحت الأبواب أمام متعلّم الموسيقى فتوسعت الإمكانات والشرائح والأعداد من هواة هذا الفن الرفيع. ابتداءً من هذه الفترة شهدت أوروبا دمقرطة حقيقية في تعليم الموسيقى وتعلمها. إلا أنها لم ترقَ وقتئذٍ بعد لتصبح مادة من مواد التدريس الجامعية لأن الإمبراطور نابوليون كان يزدري التعليم الفني، في حين أحدث المعهد العالي للموسيقى بإدارة كيروبيني Cherubini (1760- 1840)، ومنذ عام 1796، فروعاً للمعهد العالي في الأقاليم، وكان تدريس الغناء والعزف على الآلات فيها مجانياً ومفتوحاً لكل صاحب موهبة.
 
إلى جانب التجربة الرسمية في تعليم الموسيقى، ظهرت محاولات خاصة ساهمت جميعها بتوسيع نشر التعليم الموسيقي، نذكر منها:
 
- تجربة الكساندر كورون Choron (1772- 1834) الذي تنبأ مبكراً بتعليم العامة من الناس الموسيقى غناءً وعزفاً فافتتح في عام 1815 معهداً خاصاً أسماه معهد الإعداد الموسيقي وكان هدفه الرئيس رفع الذائقة الموسيقية الراقية عند العامة وعند طبقات المجتمع كافةً، وهو هدف تلهث وزارات الثقافة خلفه اليوم لتحقيقه في العالم أجمع، وخصوصاً في الدول النامية، إيماناً منها بأنها البوابة الحقيقية لتأهيل المورد البشري تأهيلاً ذوقياً فنياً إجتماعياً.
 
- تجربة غيوم لوي بوكيّون Bocquillon الملقب بـ فيلهم (1781- 1842) الذي حاول أن يُدخل تعليم الموسيقى بمنهج التربية العام مستلهماً بما كان معمولاً به وقتئذٍ في بريطانيا. وكانت الطريقة المعمول بها تُسمى "التعليم المتبادل": أي نقل التعليم الموسيقي من تلميذ إلى تلميذ، ولم يكن وجود المعلم هنا ضرورياً إلاّ للإشراف على حسن سير العملية التعليمية. وقد نجحت هذه التجربة نجاحاً ملحوظاً في بعض المؤسسات التعليمية الفرنسية وقتئذٍٍ، الأمر الذي دفع بمجلس بلدية باريس إلى توسيع رقعة التجربة وتعميمها على المدارس الابتدائية في العاصمة الفرنسية وسمّت فيلهم مفتشاً عاماً للغناء. هذه اللحظة تحديداً شهدت ولادة نظام تربوي موسيقي وهيئة تعليمية رفيعة المستوى ازدهرت على مدى قرنٍ كاملٍ من الزمان في فرنسا.
 
- تجربة بيير غالان P. Galin (1786-1821) وكان أستاذ رياضيات في مدرسة بوردو، اهتم بالموسيقى متأخراً في السن ووجد صعوبة ومعاناة في تعلّم مفاهيم الصولفيج الأولية فحاول تبسيطها ولجأ إلى حذف المفتاح من على الأسطر الموسيقية الخمسة التي تدوّن عليها العلامات واستبدل العلامات الموسيقية نفسها بأرقام واستغنى عن معظم الرموز والإصطلاحات الموسيقية المستخدمة على السلم مرافقة للعلامات المدوّنة. وكان هذا كله خلال درس عام مفتوح ألقاه في مدينة بوردو عام 1817، وأتبعه في العام التالي 1818 بنشره منهجاً جديداً لتعليم الموسيقى وتعلّمها. وقد لاقى هذا المنهج الجديد المبسّط رواجاً خصوصاً لدى أولئك الذين يريدون تعلم مبادئ الموسيقى دون كبير عناء، كما وجد المنهج رواجاً لدى محبي الموسيقى من غير الموهوبين إذ وجدوا أنفسهم قادرين على تعلم مبادئ هذا الفن دون بذل جهد كبير. وسرعان ما وجدت هذه الطريقة المبسطة جمهوراً تزايد يوماً بعد يوم وحققت انتشاراً ناهضه أصحاب النهج التعليمي الموسيقي الرسمي. وقد نجح أصحاب النهج المبسط فرض طريقتهم في مدارس التعليم الابتدائي الفرنسية لكنها اندثرت في مطلع القرن العشرين.

Pages