You are here

قراءة كتاب سيمياء الموت

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
سيمياء الموت

سيمياء الموت

(الموت) عادةً ما يأخذ الشعراء مهما كثروا وتعدّدوا وتنوّعوا وتوثّبوا لكنه لا يأخذ الشعر مهما قلّ وتخفّى وندر، ويأخذ الأصدقاء مهما تعاظمت أعدادهم وتباينت نواياهم لكنه لا يأخذ الصديق الواحد مهما انفرد، فأمام كثرة فنون الاختيار وزحمتها تبقى القصيدة الخلاّبة هي

تقييمك:
0
No votes yet
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
«4»
 
ما لفت انتباهي ـ بعد حديثنا المشترك أنا وصديقي الدكتور خليل شكري حيث نبهّني إلى هذه القصيدة التي تنبأ فيها القيسي بموته في موعد دقيق لم يكذب للأسف ـ، هو قوّة حضور الموت في شعره على نحو بارز وغزير وكثيف وواسع وواعد، وهو ما دفعني بعد ذلك إلى السعي إلى دراسة هذه الظاهرة في شعره، وحتى في نثره، وتقصّي حدود وتموّجات وفضاءات وإشارات وعلامات وتجلّيات هذا المفهوم وهذه الرؤية وهذه الحساسية المثيرة في أصقاع متنه كلّها.
 
حيث لا يألو القيسي جهداً في بثّ دوال الموت وإشاراتها وعلاماتها وإيحاءاتها وصورها وإيقاعاتها في كل ما هو متاح من فعاليات الكتابة وأنشطتها ومساحاتها، وهو بذلك يتّجه إلى موته الموعود ببسالة وطمأنينة ممزوجة بخوف وتحسّب ووجل، وبحث دؤوب عن سبل متعددة ومتنوعة قد تكون كفيلة بالتخفيف من حدّة النبوءة المروّعة، وصوتها المفجع الصلب الذي يترّدد في الأرجاء كلّها بقسوة وهيمنة، ولا يترك أيّة فرصة يمكن أن تسمح بإعادة النظر في حساب ما تبقّى من حياة على نحو آخر.
 
أعدّتُ قراءة تجربة القيسي على وفق هذه الرؤية التي تبنيتها لدراسة هذا الموضوع بعنوان «سيمياء الموت»، وهو عنوان يحيل في منهجيته ـ كما هو واضح ـ على المنهج السيميائي، لكن بآفاقه المنفتحة بحيوية واستيعاب وتمثّل وحرية على ما هو متاح وممكن وضروري من المناهج النقدية الأخرى، التي يمكن أن ترفده بطاقات قرائية تساعده في الوصول إلى جوهر العلامة الشعرية المتمثلة هنا بالموت، كلما كانت القراءة بحاجة إلى ذلك لدعم الاستنتاج أو التحليل أو التفسير أو التأويل.
 
لذا كان لا بدّ من إلقاء الضوء على الفضاء العام للمنهج السيميائي من خلال مدخل نظري يقارب هذا الفضاء على نحو بالغ الاكتناز والدقّة والكثافة، والأدوات التي يمكن لقراءتنا استخدامها وتوظيفها وتثميرها بما هو متاح وممكن وضروري وفاعل من آليات مناهج أخرى فعّالة ومؤثّرة، ترتفع بمنهجية القراءة إلى المستوى النوعي الذي يمكنها فيه من أن تنجز مقولتها، على النحو الذي يكون فيه المنهج/المناهج خادماً أميناً مسخّراً لخدمتها وملبياً لحاجاتها لا وصيّاً عليها، وبالقدر الذي يكون فيه المهاد النظري المركّز قادراً على التكيّف والاستجابة لمعطيات القراءة الإجرائية وإضاءة مجرياتها، بحيث تصدق البراهين على صحة الفروض النظرية المرتهنة بالمنهج.

Pages