إذا كانت اللغة وسيلة إنسانية لتوصيل الأفكار، والانفعالات، والرغبات عن طريق نظام من الرموز التي تصدر بطريقة إرادية كما رأى معظم الباحثين التقليديين، فإن الإعلام يهدف إلى: تزويد الناس بالأخبار الصحيحة، والمعلومات السليمة، والحقائق الثابتة التي تساعدهم على تك
أنت هنا
قراءة كتاب الإعلام واللغة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
ونظر علماء المجتمع إلى اللغة باعتبار وظيفتها الاجتماعية، فعرفها العالم الأمريكي (دجار ستيرتفنت)، أنها: (نظام من رموز ملفوظة، بواسطتها يتعاون، ويتعامل أعضاء المجموعة الاجتماعية المعينة) (13).وقيل هي: وســيلة للتواصل وتـعـريفها الـنـفـسي هـو: "نـظام تقليـدي مـن الإشـارات المعبرة تعمل سيكولوجيا في الفرد كوسيلة للتحليل والتركيب الإرادي، واجتماعيا كوسيلة للتواصل، وإِذَنْ تكون وحدة اللغة في الجملة.."(14).
وقال ابن خلدون من قبل:" اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارةُ المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعلٌ لسانيٌ ناشيءٌ عن القصد بإفادة الكلام، فلا بدََّ أن تصير ملكةً متقرّرة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان". وأضاف:"اعلم أنَّ اللغات كلها ملكاتٌ شبيهةٌ بالصناعة،إذ هي ملكات في اللسان، للعبارة عن المعاني وجودتها، وقصورها بحسب تمام الملكة، أو نقصانها.وليس ذلك بالنظر إلى المفردات، وإنما هو بالنظر إلى التراكيب. فإذا حصلت الملَكةُ التامة في تركيب الألفاظ المفردة، للتعبير بها عن المعاني المقصودة، ومراعاة التأليف الذي يطبق الكلام على مقتضى الحال، بلغ المتكلم حينئذٍ الغاية من إفادة مقصوده للسامع".(15).
إن تعريفات اللغة هذه بقدر ما تلتقي لتزيد كنه (اللغة) وضوحاً إلا أنها تفترق بحسب وجهة نظر كل علم إليها. فالفلاسفة، وعلماء المنطق المعاصرون مازالوا يعتمدون مقولة أرسطو في (أن اللغة رمز للفكر)، في حين أن وظيفة اللغة تتعدى ذلك إلى كونها أداة لنقل الأفكار.
ولكننا نرى: أن أفضل تعريف للغة بمعناها العملي، هو تعريف علماء الاجتماع الذي يلتقي ، وما قدمه العلماء العرب من تعريفات للغة، لأنها رموز صوتية تنبئ عن مدلولات خاصة للتعبير عما يحتاج إليه الإنسان في حياته. فاللغة إذن: نظام عرفي لرموز صوتية يستغلها الناس في إتصال بعضهم ببعض، وهذا التعريف مع إيجازه يتضمن أموراً أربعة نشير إليها بإيجاز، هي:
أ ــ النظام: للـغـة نـظـام تـخضع لـه، وقــواعــد مـقـررة، فليــست
فــوضـى, وليست تتألف من أشياء لا رابط بينها،فلها نظام معين في توزيع أصواتها، ونماذج محددة في بناء كلماتها وجملها، ولولا هذا النظام ما تحقق لها هدف،وما استحقت أن تكون مجالاً لدراسة،وقد اتضح هذا النظام اللغوي في أكثر اللغات بدائية، وفي البيئات التي لم يتح لها أي نصيب من الحضارة.
ب ــ عرفية اللغة: اللغة يحكمها العرف الإجتماعي لا المنطق العقلي, ومع أن اللغة ككل سلوك اجتماعي يحكمها العرف، فهناك عرف متأصل الجذور مرَ عليه زمن طويل قد يحسب بالقرون، وآخر حديث نسبيا لا يكاد يجاوز عشرات من السنين، فليس العرف في المناسبات الإجتماعية كالعرف في اللغة، من حيث تأصل الجذور، وحرص الشعوب عليه, فالعرف اللغوي قد يكتسب مع الزمن ما يشبه القداسة، ولاسيما بعد أن نزلت باللغة الإنسانية الكتب المقدسة، وكتبت بها روائع الأدب.
جـ ــ الأصوات: أوضح مظاهر اللغة أو مقوماتها الأصوات، تلك التي تنظم فتتألف منها الكلمات، ثم الجمل والعبارات، وقد أصبحت الآن أصوات اللغة محل دراسات مستفيضة وتجارب معملية كثيرة، وقد اتخذ الإنسان هذه الأصوات منذ آلاف السنين بمثابة وسط تنقل خلاله الأفكار، والأحاسيس، وكل ما يجول في الذهن، وليست هذه الأصوات التي تؤلف منها الكلمات والجمل إلا رموزاً أحلها الإنسان بموهبته الخلاقة محل الأفكار، والخواطر.ذلك لأن الرمزية هي العمل الأساسي في الفكر الإنساني، فتستطيع عقولنا أن تحول كل تجاربنا في الحياة إلى رموز، وتلك هي إحدى الصفات التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان.
د ــ المجتمـع الإنسـاني: وهـو بالنـسـبة للـغة كالتربـة بالنـسبة للـزهرة أو الحبة. فالحبة تكمن فيها بذرة الحياة ولكنها لا تنبت إلا في التربة، وكذلك اللغة في الإنسان، إذ يولد المرء مستعدا للنطق والكلام، ولديه أجهزته وأعضاؤه، ولكنه وحده منعزلاً عن الناس لا ينطق، ولا يتكلم ولا تنشأ له لغة. ونحن نلمس مظاهر هذا الإستعداد لدى الإنسان في صياح الوليد ومناغاته، فتلك هي بذرة اللغة أو القدرة على الكلام، ولكنها لا تنمو إلا حين تتوفر للمرء الحياة في مجتمع. فالإنسان مستعد بفطرته للكلام، ولكن هذا الاستعداد لا يظهر له أي أثر إلا في المجتمع الإنساني. لذا لا غرابة في أن نرى اللغويين المحدثين يجمعون على أنه لا وجود للغة إلا في مجتمع إنساني.أما ما نسمع عنه في بعض الأحيان من أن للحيوان لغة فليس في الحقيقة إلا من قبيل التجوز، فلا تؤلف تلك الأصوات الفطرية المحدودة العدد التي نسمعها من أذكى أنواع الحيوان وأرقاها لغة،أو ما يشبه اللغة، لأن اللغة لا تعمق جذورها إلا في التربة العامة التي تستمد منها غذاءها. هذا إذا قدر للغة ألا تموت وتندثر كما اندثرت تلك اللغات القديمة التي انقطعت صلتها بكلام الناس وخطابهم.ومن المسلم به بين اللغويين الآن: أن المرء يتعلم الكلام لا عن طريق الغريزة أو الإحساس الداخلي ، بل يتعلمه من المجتمع الذي ينشأ فيه (16).