كتاب " فيو ضواحي الذات"، إذا كان هذا الكتاب هو الأول في سيرة الكاتب الأدبية، فهو ليس كذلك في سيرته المهنية، إذ سبق له أن ألف كتبًا في مجال التربية، وحتى عندما قرأتُ هذه المؤلفات لمستُ فيها تلك المسحة الجمالية التي تخفف إلى حد كبير من وطأة الرياضيات وجمودها،
أنت هنا
قراءة كتاب في ضواحي الذات
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 2
هذه النصوص:
ذكرتني هذه النصوص بالرومانسيين الأوائل، أمثال: ووردز وورث، وكيتس وكولريدج، حيث الطبيعة وممكناتها الجمالية هي الرافعة التي تنهض عليها كل النصوص، ولكنها رومانسية جديدة ذات كحة فلسطينية، وإذا كنا لا نختلف مع الرومانسيين الأوائل من حيث أن الشجرة هي الشجرة والوادي هو الوادي، إلا أننا هنا إزاء شجر وشوارع وألوان غروب محملة بالإشارات والرموز، بحيث تحتمل دلائل تغاير ما هو مألوف.
لقد قدس الرومانسيون الأوائل الطبيعة، واغرقوا في وصفها، ولكن سوءة هذه الرومانسية، أنها عزلت الإنسان عن الطبيعة وجمالياتها، بما هو صانع هذا الجمال، على عكس ما يقدم هنا من رومانسية تنطلق من الإنسان، وتتأسس على ذوقه ورؤيته، فالغروب جميل لأن ثمة عينًا رائية تراقبه وتمنحه هذا الجمال، وأشجار الغابات هي أيضا جميلة لأن ثمة إنسانًا يسمع هسيس أوراقها ويصغي إلى وشوشات الطيور على أغصانها.
يتضمن هذا الكتاب ستة نصوص، كل نص منها يتخذ من الطبيعة ثيمة له، فالبحر والليل والألوان والشجر والضباب والشوارع، هي أبطال هذه النصوص بامتياز، هذا بالطبع من دون إلغاء لدور الإنسان وفاعليته وبطولته في هذه النصوص، ولكن السؤال هو أي ليل وأي بحر وأية شوارع تتناولها النصوص؟ هل هذه الأشياء تبدو في النص كما هي في الواقع؟
إن فكرة تجاوز الواقع بصلادته وإعادة بنائه من وجهة نظر الذات الفاعلة كانت على الدوام ديدن الأدباء والكتاب، وما يميز كاتبًا عن آخر هو مدى هذا التجاوز، وفيما إذا كان هذا التجاوز مغرقًا في الغموض أم لا.
في النص الأول «أكثر من بحر» سوف ندرك على الفور أننا إزاء بحر غير عادي: أمواجًا ورمالاً وأنواءً، بحر غير عادي بما يستدعيه من رموز وإشارات مجازية تلهم القارئ فيلتذ بالقراءة.
«من لا يقف أمام البحر، لا يستطيع أن يتخيل ما فيه من شاعرية، وما في رمل الشاطئ من سحر، وما لصوت الموج من أثر هائل في تحريك المشاعر.. أحاسيس وانفعالات متراكبة لا تحدث إلاّ عند البحر، أو على الأقل بالتواطؤ الهادئ مع موجه.. عند البحر، تنحني النفس على سطح الزمن الجاري، وتدخل في مشهد فسيح ماضٍ، ضاجٍّ بموسيقى زرقاء شفافة، فتتشكل صور نقية من ماء البحر الصافي. بماهيته الهائجة، وبلحظات صمته المباغتة، يُخرج إيقاع البحر هذه الصور من حدودها الطبيعية، لتنتهي إلى حالة من المجازات البصرية، فتتكيّف خطوطها مع تموجات النفس الداخلية، وطفرات الوعي الفجائية».(ص17)