كتاب "الإباضية نشأتها وعقائدها"، فرقة «الأباضية»، والتي يُجمع المؤرخون على أنها إحدى فِرَق الخوارج، ولكن الأباضية يعتبرون أنفسهم ليسوا بخوارج، وإنما هم فرقة مستقلة، مما كان دافعاً لي في الكتابة، في هذه الفرقة نشأتها وعقائدها، ليظهر لنا مدى التوافق والاختلاف
أنت هنا
قراءة كتاب الإباضية نشأتها وعقائدها
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 1
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، سيدنا محمد إمام المتقين ورحمة الله للعالمين، وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أعلام الهدى وأئمة الحق، يهتدى بهديهم، ويقتدى بهم، كما قال ﷺ : «أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم».
وبعد:
فلقد كان الناس لما بعث الله تعالى نبيه محمداً ﷺ في ضلال مبين وفي ظلمات دامسة، وكانوا شيعاً وأحزاباً، مختلفين في آرائهم، ومتضاربين في عقائدهم، وكان مبعثه ﷺ بالهدى ودين الحق، ليبين للناس طريق الهداية والمعرفة الحقة والعبادة الصحيحة، بعد أن التبس عليهم الحق، فتاهوا بين وثنية جائرة منتشرة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من البلدان، ومجوسية فاجرة في بلاد فارس وما جاورها، ونصرانية محرفة تشرك بالله تعالى، تقول بالتثليث والصلب والفداء، ويهودية مدمرة تقول: عزير ابن الله، بعثه الله رسولاً لإنقاذ البشرية مما تردت فيه من مهاوي الشرك والضلال.
وعقيدة الإسلام عقيدة سهلة لا تعقيد فيها ولا غموض، وهي التي توافق الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وتتقبلها العقول النيرة التي لم تتأثر بعوامل التقليد أو العصبية، وإنما هي عقيدة حرة تدفع المرء للبحث والنظر في الكون، ليدرك أن لهذا الكون خالقاً حكيماً قديراً مدبراً، يفعل ما يشاء ويختار، وأنه ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى:11].
وقد فهم صحابة رسول الله ﷺ ما جاءهم به الإسلام، من عقيدة في يسر وهوادة، فاطمأنوا إليها، ثم اطمأنوا بها، فلا مكان إذن لفلسفة المتفلسفين، ولا كلام المتكلمين، ولم يختلفوا مع رسولهم ﷺ، ولا مع أنفسهم في شيء مما جاء به الإسلام من عقائد، ولكن ما كان عصر الخلفاء الراشدين ينتهي حتى بدأ الخلاف يدب في البيئة الإسلامية، حيث وُجدت الفِرَق وتشعبت وكثُرت وكثُر معها النزاع والشقاق والتفرق والاختلاف، كل فرقة تجادل الأخرى، وتتأول كتاب الله بما يؤيد رأيها، ويضعون الأحاديث المكذوبة التي تؤيد مدعاهم.
فقد دخل في الإسلام قوم خلصت قلوبهم من أدران التقليد والعصبية، وصفت نفوسهم لما يدعوهم إليه رسول الإيمان ﷺ، فعضوا على ذلك بالنواجذ، واستمسكوا منه بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وكرهوا الشرك وما كان يعبد آباؤهم ورأوا رسول الله ﷺ وصحبوه، فأحبوه فوق ما يحبون آباءهم وأبناءهم، وآثروه على أنفسهم وأموالهم.
وبجانب هؤلاء الذين صفت نفوسهم لنبيهم ﷺ ، نجد هناك أصنافاً آخرين من الناس، أولهم صنف من العرب، دخل في الإسلام تقليداً لقومهم، حين جاء نصر الله والفتح، وهؤلاء لم تسعد أعينهم برؤية صاحب الرسالة ﷺ ولا انشرحت صدورهم بسماع تعاليمه منه، ولا صفت قلوبهم من آثار جاهليتهم، فأصبح عندهم انتصار الدعوة الإسلامية وعدمها سواء.
وثانيهم: صنف من عامة أهل الأديان الأخرى، دخلوا في هذا الدين أيام الفتوح التي أخضعت الدولتين الكبيرتين، اليونانية والفارسية، فراراً من حكم الإسلام على من يبقى على دينه منهم، وهؤلاء لم تخالط بشاشة الإيمان قلوبهم، ولم تقتلع جذور الحقد والضغينة من قلوبهم، بل هم يميلون إلى دينهم القديم، ويتمنون أن يعودوا إليه.
وثالثهم: صنف من دهاة أهل الأديان الأخرى، وعلى الأخص اليهودية والمجوسية، تظاهروا بالدخول في الدين الجديد، وهم يضمرون في أنفسهم الكيد والحقد، ويتحينون الفرصة للانقضاض على هذا الدين الذي بسط سلطانه على رقعة الأرض المعروفة يومذاك. فأخذوا يلبسون للناس ملابس الصلاح والتقوى تارة، ويتظاهرون بالحرص على تعاليم الدين ومحبة النبي ﷺ وآل بيته تارة أخرى، يضاف إلى هذا، أنهم أخذوا ينفثون سمومهم، فيؤولون في تعاليم الشريعة، ويدخلون فيها ما ليس منها، وقد أثاروا الجمهور من الناس، وبعثوا في نفوسهم الحماس لما يدعونهم إليه، وهذا فيما نرى هو السبب في الفرقة التي حدثت في الإسلام، وهو غض طري لم يكتمل عليه قرن واحد.
وقد أخبر النبي ﷺ عن هذا التفرق في الحديث الذي رواه أبو هريرة حيث قال: قال رسول الله ﷺ : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»(1). والحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو بن العاص، عنه ﷺ ، قال: قال رسول الله ﷺ : «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل، تفرق بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، تزيد عليهم ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة». قالوا: يا رسول الله، وما الملة التي تتغلب؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»(2). وفي رواية: «ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة»(3).