رواية "القادم من القيامة"؛ عنوان ينقلك الى السماء مباشرة الى عالم الغيب، ويظهر ذلك جليا من خلال الرسم التعبيري على غلاف الرواية، حيث يقف انسان في ظل شجرة وهو ينظر الى غيمة في السماء.
أنت هنا
قراءة كتاب القادم من القيامة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
وداع·· وداع
أذكر الآن اللحظات الأخيرة التي ودعتني فيها، لقد خفت ملاقاتي وقت الزحمة، انتظرت حتى غادر الجميع وجئت تطرق غرفتي في الربع الأخير من الليل، لا أذكر سوى الدموع التي لمعت في عينك، لم تستطع شفتاك الجافة النطق بحرف واحد، رميت رأسك على كتفي بعد عناق حار، وأجهشت أنا وأنت في البكاء، كانت الغرفة مليئة بالدخان، وكانت النوافذ تحجب زخات المطر، لم تستطع المكوث أكثر من دقائق معدودة، ودعتني وغادرت في المطر، كان الضوء يظهر كيف كانت خيوط المطر تضرب كتفيك ورأسك، وأنت ترفع يدك إلى عينيك كل لحظة، غبت عن عيني وأغلقت أنا الباب أحدق إلى الجدار، إلى صورة صديقنا الذي كان قد رحل قبل سنين، فتحت أدراجي واستخرجت بعض القصائد والأوراق، وقليلا من الزعتر البري الجاف، وبعض أوراق الليمون من حديقة بيتنا، غادرت ومشيت بعدك بقليل، غادرت قبل موعدي المقرر بساعات، خشية أن أرى وجه أمي وأبي وإخوتي، أخجل من محبتهم لي، وأرفض فقط أن أكتفي بهذا الحب، نظرت إليهم نياما، سحبت قدمي وأغلقت الباب خلفي بهدوء، كان المطر غزيرا والرياح تجعل من حبات البرد كالشفرات تضرب وجهي، ابتلت حقيبتي، جلست تحت شجرة السرو على الشارع أنتظر قدوم الباص، رحلت أخيرا، ركبت السيارة وألقيت برأسي على مسند المقعد الخلفي، كان المطر والريح، الشيئين الوحيدين اللذين يظهران في ذلك المشهد الأخير، للمرة الأخيرة تجوس عيناي مشهد بلدي، الذي تركت فيه كل شيء؛ لقد حدث تناسخ بيني وبين شيطان ربما، كيف انسللت من جلدي لا أعرف· لم أشأ وقتها أن أنظر إلى الخلف إلا عندما صعدت الطائرة، هناك شعرت للمرة الأولى بالهدوء والنظافة والدفء، دون معنى خلفي لكل المعاني، أريد أن أعيش دافئا ونظيفا وكفى، بمجرد صعودي الطائرة طلبت القهوة الساخنة، كنت نهما كدبّ، كنت ألعن ظهرك والمطر ودموعك، شعرت بشيء من الحزن والشفقة والألم والفخر، كنت أعلم أنك تغادر حزنك المؤقت إلى حزن دائم، ستنام وتصحو مع الفجر البارد، تعيش الملل والوحدة والتذكار، لا أدري ربما كنت أنا جبانا رخيصا لأنني تركتك، لكن شيئاً مجهولاً أمرني بالرحيل، لقد قررت الهروب في كل الاتجاهات دون أي شعور بالجدوى، صحيح أنني مثلك الآن في الأربعين، لكن أشياء كثيرة جعلتني أشعر بحسرة مضاعفة على احتراق العمر أكثر منك، لقد كان صديقنا عظيما ورائعا اكتفى بالحب والتضحية، لكنه رحل وكفى، إنني أهرب هنا في هذه البلاد الباردة، الحارة، الموت كل لحظة، اقترب اكثر، كلما تفتحت مسامات جلدي على الحياة، عندما تنام أنت يبدأ ليلي، أغادر مكان عملي عند الظهيرة، أنام على سريري في شقتي وسط مدينة تبدو شوارعها أنظف من··········، هنا لا يبحثون عن الحزن مثلك، وأنا هنا أمارس خداعا مزدوجا وقذرا، أرفض التذكر للحظة أني هارب من أغلال ذكريات مريرة وسوداء، وأوهم نفسي انني امارس كل اللذائذ هنا بشكل طبيعي، كأنها فطرتي التي فطرت عليها·