رواية "القادم من القيامة"؛ عنوان ينقلك الى السماء مباشرة الى عالم الغيب، ويظهر ذلك جليا من خلال الرسم التعبيري على غلاف الرواية، حيث يقف انسان في ظل شجرة وهو ينظر الى غيمة في السماء.
أنت هنا
قراءة كتاب القادم من القيامة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 5
هنا، يختارون الزهور والموسيقى التي ستوضع على قبورهم، يتعاملون مع الموت كحدث عادي لكنه نهائي، لا يفكرون كثيراً بالأسئلة الغبية الساقطة من السماء، أعرف أنك تشتمني لو عرفت بماذا أفكر، لكن كل شيء في يقول إنني لم أعد شريكا لك في التذكار والاستشراف· كل شيء اختلف·
يبدأ ليلي هنا بعد انتهاء يومك، ألبس أجمل الملابس وأقود سيارتي الفاخرة إلى حيث يستحيل الليل نهارا، كل شيء هنا ملون، الزجاج والأرضيات والزهور والنساء، تلون النساء هنا أعضاءها، يلونّها بالعطور والألوان، وكذلك الدخان هنا حولي، يوجد دخان أحمر وأخضر وأصفر، وموسيقى صاخبة، تمنعك من أي تأمل، سوى أن ترقص وتجن، وتقطف ما تريد من الثغور والرمان والوجوه الجميلة، تماما، كالطائرة، الهدوء والدفء، هنا الصخب والدفء والجمال، لا يعيش أي واحد ممن حولي أية حالة من تأنيب الضمير، بل على العكس كلما زادت لذائذهم زادت نشوتهم، أتمنى بالفعل أن أعود وأعيش اللذة الذي كنت أستشعرها عندما كان صديقنا الراحل يقرأ علينا مراسيل عشقه وغرامه، حدث شيء سري أطفأ هذه الشمعة في روحي، أتمنى ذلك الشعور الغريب الذي يعيشه صديقنا، لكنني أعجز عن استحضار الحالة تلك، فأعيش حالة متناقضة تماما، لا تصبر نفسي على أي تعب، أستبدله باللذائذ، ولا أطيق أي حالة من التأمل والتفكير·
ما الذي حدث لي كي أترك كل الأغاني والأشعار التي كنت أحب، وأركنها في سكني القديم، دون أن أستأجر سيارة لشحنها، شعرت ربما أنه يجب علي ان أتخلص من أي شيء يذكرني بأي شيء، سوى أنني الآن وهنا وحسب، أعيش بنجاح عظيم في شركة مهمة لصناعة برامج الكمبيوتر، أرى كل يوم مئات الزبائن المنفتحين على الحياة، دون أي حكمة سوى المرح، كل شيء يتم ببساطة، لا أرى هنا أحدا يقرأ···· ويضيع وقته في شيء مفترض، ربما كان عالمي وحده هو البعيد عن أي شيء يثير التأمل، لكنه عالمي، ستذكرني بالمسرحية أيام كنا في المدرسة الثانوية، التي لعبت فهيا دور البطل، الذي رفض الخروج من السجن بعد عشرين عاما ليبقى إلى جانب صديقه المقعد، لقد فتح لي وقتها باب السجن وفكت من يدي القيود، لكنني عند العتبة الأخيرة التي تفصلني عن عالم الأحرار، عدت لأحضن صديقي الذي فقد أطرافه وظل وحيدا بعدي، لا أدري ماذا أقول لك لو ذكرتني الآن، حقيقة أعجز عن إجابتك، لكنني هنا الآن لا أفكر بأي شيء سوى الاستغراق في الحياة وقهر الموت·